الرئيس الامريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
الرئيس الامريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
الإثنين 21 مايو 2018 / 21:55

حجر يحرك المياه الآسنة في بئر التسوية

لن تقدم هذه الإدارة الأمريكية أي شيء للفلسطينيين، وستطالبهم ومعهم العرب جميعاً بالاعتراف بـ "حق" إسرائيل في الوجود، وهو اعتراف يختلف كثيراً عن الاعتراف الفلسطيني والعربي الحالي بـ "وجود" إسرائيل ككيان احتلالي قائم بحكم القوة

تستعد الإدارة الأمريكية لإعلان خطتها لتسوية الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي في الربع الثالث من يونيو (حزيران) المقبل، ولا يعني ذلك أن فريق ترامب يحتاج إلى أسابيع من الدراسة والمشاورات والاتصالات للانتهاء من وضع الخطة، لأن الخطة الترامبية جاهزة منذ وقت طويل، وقد عطلت إعلانها مسيرات العودة الفلسطينية، كما تأجل هذا الإعلان حتى انتهاء رمضان حيث تكون المشاعر الدينية مرتفعة لدى الفلسطينيين والعرب ومسلمي العالم.

ما الذي تحمله الخطة التسووية؟ وما هي أبرز بنودها؟
ليس السؤال مهماً حتى يجهد المرء في التقصي والمتابعة للتعرف على التفاصيل، لأن "المكتوب يقرأ من عنوانه"، ولأن المقدمات تقود إلى النتائج، وقد كانت مقدمات هذه الخطة الأمريكية صادمة للجميع حين اعترفت أمريكا الترامبية بالقدس عاصمة للكيان الاحتلالي، وحين اختارت إدارة ترامب أن تشطب كلمة "المحتلة" في إشارتها إلى القدس والضفة الغربية وغزة، ما يعني عملياً اعتبارها أراضٍ إسرائيلية.

في المجمل لن تقدم هذه الإدارة الأمريكية أي شيء للفلسطينيين، وستطالبهم ومعهم العرب جميعاً بالاعتراف بـ "حق" إسرائيل في الوجود، وهو اعتراف يختلف كثيراً عن الاعتراف الفلسطيني والعربي الحالي بـ "وجود" إسرائيل ككيان احتلالي قائم بحكم القوة. ذلك أن الفلسطينيين ومعهم معظم العرب لا يعترفون بأحقية هذا الوجود الاستعماري.

كما أن الخطة ستعرض على الفلسطينيين والعرب ولن تُفرَض عليهم، وسيكون إقرارها مرهونا بقبول الطرفين، ما يعني أنها مجرد بيان سياسي يؤكد الانحياز الأمريكي المطلق للاحتلال الإسرائيلي، رغم أن هذا الانحياز لا يحتاج إلى تأكيد.

تعرف الإدارة الترامبية أنه لا يوجد مسؤول فلسطيني قادر على قبول ما تسميه صفقة القرن، وربما تعرف أيضاً أن الفلسطينيين لن يقبلوا من أمريكا شيئاً حتى لو كان المطروح دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة، فقد وصل الرفض والكراهية لأمريكا ولكل ما تمثله مستويات غير مسبوقة ولن تكون ملحوقة في الشارع الفلسطيني في الوطن المحتل، وكل الوطن محتل، أو في المهاجر القسرية.

كل ما في الأمر أن دونالد ترامب ومعه اليمين المسيحي المتصهين يريد تأكيد ولائه للمشروع الصهيوني معتقداً أن ذلك يمكنه من البقاء في البيت الأبيض. ولذلك كان التوقيت المقر سابقاً لإعلان "صفقة القرن" هو الخامس من يونيو (حزيران)، بكل ما في هذا التوقيت من رسائل مستفزة للفلسطينيين والعرب.
قد تبدو الصورة كئيبة وقاتمة، لكن الأمر ليس على هذا النحو من السوء، وهناك إيجابيات آنية ومستقبلية للجنون الترامبي، ففي قياس الراهن حققت مواقف ترامب ما كان مطلوباً من وضوح الرؤية لدى الفلسطينيين إزاء حقيقة الموقف الأمريكي وجدوى الرهان على واشنطن في العملية السياسية، وخاصة لدى أؤلئك التسوويين الذين تشبثوا باتفاق أوسلو المشؤوم وبالمسار التفاوضي والرعاية الأمريكية لهذا المسار. وقد تيقنت سلطة أوسلو أن ما يذهب إليه الأمريكان يتجاوزها في تخليق قيادات بديلة منخرطة بالمطلق في المشروع الأمريكي وربما يكون في تلميع رجل أعمال أمريكي الجنسية فلسطيني الأصل رسالة "جلية" في هذا السياق.

وفي قياس القادم فإن التراجع الأمريكي عن اعتبار القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة أراضٍ محتلة، مقدمة لتفعيل مشروع الدولة الواحدة، لأن القدس والضفة والقطاع، عندما لا تكون محتلة، فإن أهلها بالضرورة وبحكم القانون مؤهلون للمطالبة بالمواطنة في دولة الاحتلال بكل ما يعني ذلك من حقوق مدنية وسياسية، وذلك يقود في النهاية إلى تحقيق مشروع الدولة الواحدة التي تبدو الحل الأكثر واقعية والبديل الأكثر تقدماً لمشروعات التسوية القائمة على أساس وجود دولتين إحداهما سيدة والأخرى تابعة وضعيفة ومنزوعة القوة.

ورغم التشاؤم السائد في أوساط النخب الفلسطينية، فإن البعض يعتقد أن أفضل ما حدث للفلسطينيين منذ بداية مأساتهم هو مجيء ترامب إلى البيت الأبيض، وتبديد الرهانات الخائبة على مشاريع تسووية فاشلة، والولوج إلى مرحلة جديدة في الصراع، تتميز بالمواظبة ووضوح الرؤية والإيمان بالحق الفلسطيني في كل فلسطين، وليس جزءاً صغيراً منها. ولعل المجنون الذي ألقى الحجر في البئر حرك المياه الآسنة.