وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل (أرشيف)
وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل (أرشيف)
الأربعاء 13 يونيو 2018 / 21:07

النزوح السوري والخصوصيتان اللبنانيتان

يكاد لا يمر يوم على لبنان من غير أن يظهر مَن يقرع ناقوس الخطر من "القنبلة الموقوتة" التي تتمثّل في النازحين السوريين. سياسيون ومنابر إعلامية وتلفزيونيّة يتسابقون في التصعيد والترهيب. آخر هذه النواقيس قرعها وزير الخارجية وصهر رئيس الجمهورية جبران باسيل الذي صار أبرز محترفي التخويف من النازحين السوريّين وأعدادهم وأشدّ المُلحين على عودتهم بأي وسيلة كانت.

ثمّة طرف لبنانيّ ممثّل في الحكومة، هو حزب الله، شارك بقوّة ونشاط في قتل السوريّين وتهجيرهم، وهذا ما يرتّب على اللبنانيّين مسؤوليّة خاصّة حيال ضحايا الأفعال التي ارتكبها الحزب المذكور

حملته الأخيرة على "مفوضية اللاجئين" التابعة للأمم المتّحدة، وتهديده بعدم منح موظفيها أذونات إقامة في لبنان، يندرجان في هذه الوجهة.

غني عن القول إنّ موضوعة النازحين هي من "عدة الشغل" الدائمة للقوى الشعبويّة، وفي لبنان تحديداً تتقاطع هذه الشعبويّة مع المنافسات الطائفيّة والمنافسات داخل الطائفة الواحدة. هكذا يغدو التهويل بهم وبأعدادهم مبدأ يتقيّد به السياسيّ الشعبوي الطائفي ويرفعه إلى أقنوم حاكم لسائر أقانيم الحياة السياسية.

يُضاف إلى ذلك، في حالة "التيار الوطنيّ الحرّ" الذي يرأسه باسيل، افتقار ملحوظ إلى القضايا التي يمكن إحداث الاستقطاب والتعبئة على أساسها، خصوصاً بعد سحبه قضية "محاربة الفساد" من التداول.

يُضاف أيضا أن الوعود الكبرى التي أُطلقت مع تولي ميشال عون رئاسة الجمهورية، وهو مؤسس "التيار" المذكور وزعيمه، لم يتحقّق منها إلا القليل جداً، ما ضاعف الحاجة إلى اجتراح قضية مربحة شعبياً.

هذا لا يعني أن لا مشكلة في لبنان. فأعداد اللاجئين السوريين، حتى لو وضعنا التضخيم جانباً، تبقى كبيرة بالقياس إلى عدد اللبنانيين. وهناك حالات تنافس لا يجوز تجاهلها مع اليد العاملة اللبنانيّة في بعض مجالات العمل الرخيص الكلفة كالبناء والزراعة.

هذا فضلاً عن أن التكوين الطائفي للبنان ولسياسته يضفي حساسيّة فائقة على مسألة كهذه ويجعلها دائمة القابلية للالتهاب.

لكنّ صحة هذه الملاحظات لا تلغي أننا، في هذه المنطقة من العالم، نعيش كارثة إنسانية كان المتسبب الأول بحصولها عنف النظام السوري. ويستحيل على لبنان، أقله بسبب الموقع الجغرافي، ألا ترتد عليه بعض نتائج هذه الكارثة.

وفي هذا المعنى، لا بد من الحوار الهادئ البعيد عن الإثارة، والإقرار بأن مشكلة كهذه لا تُحل من ضمن النطاق الوطني الضيق والمعزول.

إلى ذلك، فإن النزوح، في حالة لبنان، لا يندرج كلياً في مسائل النزوح الكلاسيكية إذا جاز القول. فعلى عكس بلدان أخرى للجوء السوري، كالأردن وتركيا، يتفرد لبنان بخصوصيتين في هذا المجال، وهو ما لا ينبغي أن يغيب عن التفكير اللبناني بالمشكلة، وعن الخلفية التي قد تتدخل إيجاباً في هذا التفكير، فتعزز فيه ما هو صحي وإنساني وأخلاقي على حساب الكراهية وسمومها:

من جهة، أن ثمة طرفاً لبنانياً ممثلاً في الحكومة، هو حزب الله، شارك بقوة ونشاط في قتل السوريين وتهجيرهم، وهذا ما يرتب على اللبنانيّين مسؤولية خاصة حيال ضحايا الأفعال التي ارتكبها الحزب المذكور.

ومن جهة أخرى، أن لبنان بلد احتلت فيه الهجرة موقعاً تكوينياً تعدى اقتصاده إلى ثقافته، وشكل واحداً من محاور التباهي التاريخي والإيديولوجي اللبنانيّين. وليس بلا دلالة أن الطرف الحزبي الذي يمثله باسيل هو الأكثر احتفالاً بهذه الظاهرة والأشد إصراراً على تمثيلها السياسي.

ولا نضيف جديداً إذا قلنا إن الهجرة اللبنانية عانت، لا سيما في بداياتها، سائرالمشكلات التي يعانيها النازحون السوريون اليوم، بما في ذلك التعرض لكراهية البلدان المضيفة وسكانها.

فهل ينظر واحدنا قليلاً إلى المرآة، بل إلى المرايا الكثيرة، قبل أن يطلق العنان لغرائزه الكارهة؟