الشرطة الفلسطينية في رام الله أمس الأربعاء (أف ب)
الشرطة الفلسطينية في رام الله أمس الأربعاء (أف ب)
الخميس 14 يونيو 2018 / 20:58

ليلة الأربعاء في رام الله

ليلة أمس في رام الله، اتضح للفلسطينين أنهم "ينعمون" بالوجه الآخر لحكم حماس في غزة، وأن "الانقلاب" الذي يغلق اليوم 14/6 عامه الحادي عشر، بحمولاته وثقافته وسلوكه كان طوال هذه السنوات يربي توأمه في أحواشهم.

لقد فاقمت السلطة مأزقها بشكل يدعو للرثاء، أولاً في إدارتها المتخبطة تجاه قطاع غزة، وثانياً عندما التجأت إلى "الأمن" في معالجة هذا المأزق، وثالثاً عندما زجت باسم "فتح" في قمع مطالبات المحتجين بصرف مخصصات وحقوق أخوتهم في غزة

نظرية "الصدمة" التي أرادت أجهزة الأمن والمخابرات الفلسطينية تطبيقها على المتظاهرين السلميين ليلة الأربعاء الماضي 13/6 في رام الله، وبالتالي تقديم نموذج، رسالة واضحة وقاسية، لأية أفكار أخرى قد تنشأ، او نوايا قد تتشكل، أو دعوات قد تطلق للتظاهر في بقية مدن الضفة الغربية للمطالبة بوقف "العقوبات" على غزة، الرسالة تلك وصلت بقوة للشارع الفلسطيني الممتد في البلاد من حيفا داخل الخط الأخضر، التي شارك وفد من بناتها وأبنائها في المسيرة، إلى غزة التي خرجت المسيرة باسمها، إلى الشتات والمهجر.

لقد تم تجنيد كل شيء لـ"الهجوم على الناس"، مواد ووسائل وأساليب مستعارة من أسوأ نماذج وأجهزة أمن الأنظمة العربية سيئة الذكر، اتهامات جاهزة بالعمالة "لأجندات" خارجية شكلت البنية التحتية للتحريض وتبرير ما سيحدث فيما بعد في "الليلة الكبيرة"، تحريف شعارات المظاهرة وغاياتها وشيطنة المشاركين بها والداعين لها بحيث تبدو "مؤامرة" على البلد ويصبح قمعها امتداداً لدور أجهزة الأمن في "إنقاذ" ورعاية استقرار المجتمع، تحريض مجموعات من "الشبيبة" وشحنها ودفعها لمواجهة المتظاهرين والاعتداء عليهم ليتمكن الناطق الأمني من الحديث عن حماية "السلم الأهلي"، تحريك مجموعات من أفراد الأمن بملابس مدنية، على طريقة "المستعربين"، لتفكيك الاحتجاج من الداخل، بينما يقوم رجال الشرطة وبقية الأجهزة التي استنفرت بكامل طاقتها بالانقضاض على المحتجين من خارج الطوق..إلى آخر هذه الأفكار المستهلكة والتي أثبتت فشلها في مواجهة غضب الشارع.

لا شك أنهم في "غرفة العمليات" التي تشكلت لهذا الغرض قد استعرضوا كل التفاصيل، من سحب النشطاء وسحلهم للشوارع الجانبية، إلى منع التصوير وتحطيم الكاميرات والاعتداء على الصحفيين ومصادرة أجهزة الهاتف، الى مداهمة التجمع وتطويقه بقنابل الغاز وقنابل الصوت والهراوات، في غياب الصورة يمكن إخراج الأمر كما لو أنه "عملية للدفاع المدني"، "الشبيحة" و"المتسللين" ورجال الشرطة هم "المنقذون" في هذا السرد.

سبق كل هذا بساعات قرار من "مستشار الرئيس لشؤون المحافظات"، هذا هو منصبه كما جاء في البلاغ الرسمي، بمنع المسيرات خلال الأعياد.

"قرار المنع" الذي لم يصدر عن أي هيئة رسمية مخولة رغم وجود مفردة "الرئيس" في سياق الوصف الوظيفي لصاحب القرار، حمل الكثير من "التذاكي" والتهديد و"الحرص" على تسهيل أمور الناس عشية عيد الفطر، وبدا مثل حيلة مكشوفة تفتقر للمخيلة.

"العملية" التي، لا شك، أنها بدت عبقرية في الغرفة المغلقة، كانت أشبه بطرفة سوداء في الشارع، والتخطيط الطويل الذي اقتضى تنسيقاً كاملاً بين الأجهزة، وهو أمر نادر الحدوث، كان مكشوفاً للجميع تقريباً، فهي، "الخطة" متداولة بكثرة في المنطقة ومستهلكة تماماً، وستبدو بائسة ومثيرة للشفقة عندما يتم مقارنتها بما حدث على الدوار الرابع في عمان قبل اسبوع واحد فقط.

لقد تعلم الناس من الناس كما يحدث دائماً، ولكن "الأمن" فضل أن لا يتعلم من "الأمن" في الأردن.

إن مسيرة معارضة تُذكر منظمة التحرير بمسؤوليتها تجاه شعبها، سواءً في غزة أو اليرموك أو أي موقع آخر، هو جزء من إصلاح المنظمة واستعادة حضورها ودورها، أما تأليف أسباب المنع البائسة تحت "فتاوى وحيل قانونية" فهو استمرار في تفكيك المنظمة وإمعان في سياسة الانقسام ومنح "الانقلاب" أسباباً للحياة.

لقد فاقمت السلطة مأزقها بشكل يدعو للرثاء، أولاً في إدارتها المتخبطة تجاه قطاع غزة، وثانياً عندما التجأت إلى "الأمن" في معالجة هذا المأزق، وثالثاً عندما زجت باسم "فتح" في قمع مطالبات المحتجين بصرف مخصصات وحقوق أخوتهم في غزة، بحيث وضعت "فتح" في مواجهة شعبها، وهو ما سينعكس بقوة على الشارع الفلسطيني في الأجل القريب، إذا لم تتحرك "أم الوطنية الفلسطينية" وتنأى بتاريخها وحضورها القوي في أوساط الشعب الفلسطيني، عن دور الشرطي المعروض عليها الآن.