سؤال مُحير (تعبيرية)
سؤال مُحير (تعبيرية)
الأحد 24 يونيو 2018 / 20:20

الأسئلة المشحونة

في عام 1987 سئل المرشح الديمقراطي للانتخابات الأمريكية "مايكل دوكاكيس" السؤال التالي: إذا تعرضت زوجتك للاغتصاب ثم قُتلت، فهل ستؤيد عقوبة الإعدام ضد المجرم؟

كم من سؤال لا يُراد منه الاستفهام بقدر ما يُراد منه التسفيه والإحراج وخلق اللوازم غير اللازمة

وكان معروفاً أن دوكاكيس يُعارض عقوبة الإعدام، فأجاب بما يتفق مع قناعته، وهو أنه لا يؤيد عقوبة الإعدام لأنه لا يراها عقوبة رادعة، وبسبب هذا الجواب، خسر دوكاكيس الكثير من الأصوات الانتخابية، وكان البيت الأبيض من نصيب جورج بوش الأب.

هذا السؤال الذي أطاح بمرشح الانتخابات الأمريكية هو السؤال الذي يُطلق عليه مصطلح السؤال المشحون، فهو سؤال مُوجه يحمل في داخله إجابة يعرفها السائل، ويمكن لهذا النوع من الأسئلة أن يكون مدمراً إذا وقع بيد مجادل يهوى الفجور في الخصومة.

أحياناً، ينطوي تشويه السؤال على إدانة أخلاقية وفكرية كما يقول بيتر هوفر في كتابه "تناقضات المؤرخين"، فإذا أردت تسميم العلاقة مع الغرب طرحت سؤالاً مشحوناً من قبيل: ألا يكره المسلمون أمريكا؟ ، وإذا أردت رفض طلب الهجرة طرحت نفس الأسئلة التي كانت تطرحها إدارة الهجرة الأمريكية على المهاجرين: كم نجمة في العلم الأمريكي؟ ومن هو الرئيس الحالي؟، وهي نفس أسئلة ولاية بادن فورتمبرغ الألمانية للمهاجرين المسلمين حين يقدمون طلب الجنسية والتي تتضمن: ما موقفك من مقولة إن المرأة تابعة لزوجها؟ ما رأيك في الزواج التقليدي المُرتب مسبقاً؟ وهل تظنه يتوافق مع الكرامة الإنسانية؟، وهي نفس أسئلة "جوزيف مكارثي" في سنة 1950 التي كانت من ضمنها: هل باستطاعة أحد أعمى أن يقول أن الحرب ليست بين الشيوعية والمسيحية؟، ونفس سؤال عالم الأحياء التطورية ريتشارد دوكنز: هل الدين أصل الشر؟.

تستطيع أن ترى ترددات وانعاكسات الأسئلة المشحونة في مواقع التواصل الاجتماعي، فكم من سؤال لا يُراد منه الاستفهام بقدر ما يُراد منه التسفيه والإحراج وخلق اللوازم غير اللازمة، فإذا طالب أحدهم باحترام الخصوصية والحرية الشخصية، فإنه يُفاجأ بهجوم كاسح من كتيبة الاستشراف التي تحاصره بأسئلة من قبيل: هل أنت مع حرية الزنا؟ أترضاه لأختك؟ هل أنت مع خلع الحجاب؟ ما هو موقفك لو أرادت ابنتك لبس البكيني في البحر؟ هل تقبل أن يكون ابنك ملحداً؟.

وبما أن المسؤول عنها ليس في لجنة تحقيق جنائية ولا في محكمة تفتيش، فإنه من الأفضل تجاهل هذه الأسئلة الحمقاء حتى تزيد سائليها كمداً فوق كمد، فأدب السؤال يعكس خُلق السائل، والذي يُحدد إذا كان يستحق الإجابة أو التجاهل أو الحظر.