الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مهرجان انتخابي (أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مهرجان انتخابي (أرشيف)
الأحد 24 يونيو 2018 / 20:24

تركيا، سباق مع الزمن وإجابات مُختلفة

في رده على تحديات منافسيه في السباق الرئاسي، قال الرئيس التركي أردوغان لمؤيديه يوم أمس: "ردوا عليهم بصفعة عثمانية".

نجاحه في الحصول على صلاحيات حاكم مُطلق الصلاحية، وتعطيل رقابة البرلمان، والصحافة، على السلطة التنفيذية، قبل فوات الأوان، لا يضمن تصفية الخصوم والمعارضين وحسب، بل والبقاء في سدة الحكم إلى أجل غير معلوم، أيضاً

وهذه، في الواقع، ليست زلة لسان. فالعبارة الشعبوية، على ما فيها من عنف لغوي، تختزل نزوعه السلطوي، ومشروعه العثماني، وكلاهما على المحك، اليوم، في انتخابات رئاسية وبرلمانية، هي الأهم في تاريخ الجمهورية الكمالية على مدار تسعة عقود مضت.

ومن الواضح أن الدعوة إلى انتخابات اليوم المُبكرة، تدل على سباق مع الزمن.

فالسيد أردوغان يتحرك بخطى متسارعة، بعد الاستفتاء على تعديل الدستور قبل عام، على طريق تحويل النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي لانتزاع صلاحيات تمكنه لا من الحكم كديكتاتور وحسب، ولكن من الانقلاب على كل ميراث الجمهورية الكمالية، أيضاً.

وبهذا المعنى، فإن العثمانية، أي استدعاء الماضي الإمبراطوري، هي الغطاء الأيديولوجي لمقامرة اليوم السياسية.

ويمكن لدلالة المقامرة أن تتضح بشكل أفضل إذا وضعنا في الاعتبار إدراك الرئيس التركي، ربما أكثر من غيره، لحقيقة أن موجة الطفرة الاقتصادية فقدت الزخم، وأن سياسة "صفر مشاكل" في الداخل والخارج فقدت الصدقية. فمعدلات التضخم في تصاعد، والليرة التركية فقدت ما يزيد على نصف قيمتها على مدار السنوات الأربع الماضية.

وفي السياق نفسه، فقد ما يزيد على مائة ألف شخص، بعد المحاولة الانقلابية قبل عامين، وظائفهم في الجيش، والوظيفة العمومية، بينما يقبع عشرات الآلاف من المعتقلين في السجون، وتُصادر حرية التعبير، وفي المناطق الكردية تشتعل حرب بين الجيش والمعارضين الأكراد، ناهيك عن مشاكل الهجرة، واللاجئين، والإرهاب، وتدهور العلاقة مع دول الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة.

بمعنى آخر، تهدد هذه التحولات السلبية المستقبل السياسي للسيد أردوغان وحزبه، وهي مرشحة للتفاقم، ولكن نجاحه في الحصول على صلاحيات حاكم مُطلق الصلاحية، وتعطيل رقابة البرلمان، والصحافة، على السلطة التنفيذية، قبل فوات الأوان، لا يضمن تصفية الخصوم والمعارضين وحسب، بل والبقاء في سدة الحكم إلى أجل غير معلوم، أيضاً.

وفي هذا المعنى يصح الكلام عن المقامرة، فالمعارضة على اختلاف مشاربها، تدرك أن ثمة ما يشبه سباقاً مع الزمن، وأن ما ينطوي عليه المشروع الأردوغاني من مخاطر، معطوفة على حقيقة عثراته الاقتصادية والسياسية، في الوقت الحالي، يحض على توحيد صفوفها، ويُقنع مزيداً من المواطنين بضرورة تجنيب البلاد مخاطر تربع دكتاتور مُطلق الصلاحية على هرم السلطة.

لن ننتظر طويلاً قبل معرفة النتائج الحقيقية لرهانات أردوغان وحزبه من ناحية، ورهانات المعارضة، من ناحية ثانية.

ومع ذلك ليس من السابق لأوانه القول إن الأسئلة التي أثارها صعود السيد أردوغان وحزبه، قبل ستة عشر عاماً تحظى اليوم بإجابات مُختلفة.

فعشيّة صعودهم أُثيرت أسئلة من نوع: هل تحترم أحزاب الإسلام السياسي، في حال فوزها بالسلطة، قواعد اللعبة الديمقراطية، التي أوصلتها إلى سدة الحكم؟ وهل تملك ما يكفي من الخبرة والمؤهلات لتحقيق الرخاء الاقتصادي، والسلم الاجتماعي؟ وهل تستطيع التعايش مع الحريات الجمعية والفردية، التي كفلتها الدولة الحديثة لمواطنيها، خاصة في جمهورية علمانية كتركيا الكمالية؟

في العقد الأول لوجود السيد أردوغان، وحزب العدالة والتنمية، في أعلى هرم السلطة، بدت التجربة وكأنها الدليل الحي على ما يسم أسئلة كهذه من تحفظات، وتخوفات، غير مُبررة.

واستنتج ما لا يحصى من مُنظري ومُحرضي الإسلام السياسي، في العالم العربي، أن ما نجح في تركيا يمكن أن ينجح في كل مكان آخر.

واليوم، بعدما مرت مياه كثيرة تحت الجسر، كما يُقال، فإن التجربة نفسها التي أرادوا لها أن تكون وسيلة إيضاح، قد أصبحت وسيلة إيضاح، فعلاً، ولكن بالمعنى السلبي للكلمة.