اللاعب المصري محمد صلاح (أرشيف)
اللاعب المصري محمد صلاح (أرشيف)
الإثنين 9 يوليو 2018 / 20:51

عرب في كأس العالم

بالنسبة لنا نحن العرب، فقد انتهى كأس العالم باكراً. خرجت السعودية ومصر والمغرب وتونس على التوالي، وأخفق لاعبو هذه المنتخبات في رسم الابتسامة على وجوه العرب. إنه أمر مقبول، منطقياً ونظرياً، فالرياضة ربح وخسارة.

الوضع لم يكن جيداً بالمرة، في وسائل التواصل الاجتماعي، لا لشيء إلا لأن هناك "جزيرة" تثير الفتن، وتبحث عن الإثارة، وكانت تحلم أن مشاركة المنتخب السعودي في البطولة سوف تكون قضية مليئة بالأفكار التي يمكن استثمارها في الإساءة للمملكة رياضياً ثم إدارياً ثم سياسياً

ويكفي الرياضة فخراً أنها فرضت على مصطلحات اللغة وأدبيات الأخلاق تعبير "الروح الرياضية". ويكفي كرة القدم فخراً أنها سبب في توحيد الشعوب يفوق كثيراً من الأسباب.

أهم مكونات الروح الرياضية هي الاستمتاع بالممارسة والمتابعة والتشجيع وحتى التعصب أيضاً، فليس في الأمر ما يضر ما دام الإنصاف موجوداً، والاحترام قائماً، والزمالة مقدرة.

لكن ما حدث بيننا نحن العرب لم يكن فيه شيء من ذلك. فإذا ما استثنينا العلاقة الوطيدة التي ظهرت بين فريقي مصر والسعودية، على الرغم من كونهما في مجموعة واحدة، تلك الروح التي ظهرت تجلياتها بين المشجعين، وأبرزها بقوة النجم المصري محمد صلاح الذي رفض أن يحتفل بهدفه في منتخب مصر لأنه يعتبر السعودية بلده الثاني.

إذا ما استثنينا هذه العلاقة الاستثنائية فإن الوضع لم يكن جيداً بالمرة، في وسائل التواصل الاجتماعي، لا لشيء إلا لأن هناك "جزيرة" تثير الفتن، وتبحث عن الإثارة، وكانت تحلم أن تكون مشاركة المنتخب السعودي في البطولة قضية مليئة بالأفكار التي يمكن استثمارها في الإساءة للمملكة رياضياً ثم إدارياً ثم سياسياً.

في أحد برامجها، استمات مذيع الجزيرة المنطفئ لمعانه في المقارنة بين المشاركة السعودية عام 1994 وبين الأهداف الخمسة التي تلقاها المنتخب السعودي في أولى مبارياتها في روسيا 2018 ليثبت أن ذلك تخلف وتراجع عن ركب الحضارة، ولم يجد ضيفه مبرراً لمسايرته فقال له في تهكم وسخرية: وبهذا المنطق فإن دولاً مثل إيطاليا وهولندا وأمريكا صارت متخلفة أيضاً لأنها لم تصعد لكأس العالم أساساً.

محلل رياضي آخر ممن يستلمون أعطياتهم من مكاتب الجزيرة، ظن أن بإمكانه الحصول على علاوة إضافية في كأس العالم إذا ما قدم في تحليله خلطة من السياسة والرياضة، فقال إن "إخفاق السعودية في المونديال سببه مقاطعتها لقطر".

هذه النماذج وبشيء من المساعدة من الكتائب الإلكترونية أفسدت على الشعوب العربية متعة مشاهدة كأس العالم، وخلقت بينها توتراً في العلاقات الاجتماعية، توتراً ابتعد بها عن الروح الرياضية، وأنساها الأخلاق العربية، وأظهر منها أنتن ما في الطبائع البشرية من شماتة لا يعرفها الأحرار، وحقد لا يحمله الأسياد، وبذاءة لا ينطق بها أهل العقول.

وهكذا تفعل السياسة حين تدخل في الحياة الجميلة.