من احد معارض أيمن بعلبكي (أرشيف)
من احد معارض أيمن بعلبكي (أرشيف)
الإثنين 23 يوليو 2018 / 23:56

فنان من صفد

سعيد بعلبكي ابن فوزي بعلبكي الفنان وابن أخي عبد الحميد بعلبكي الفنان الراحل، وأخو أيمن بعلبكي الفنان الناجح وابن عم أسامة بعلبكي الذي يعرض اليوم في صالة صالح بركات، التي كانت في الأصل صالة سينما فمسرحاً، ومعرض أسامة بعلبكي استعادة للعشر سنوات الأخيرة.

ثمة هذا الشعور بأن ما وجده ليوسف عبّو لم يتخلص تماماً من الظلمة التي وُجد فيها. إنه يبدو هكذا خارجاً من الظلّ، ولا يزال بعض هذا الظل ظاهراً عليه

هذه الشجرة البعلبكية تشغل الآن الفن اللبناني. سعيد بعلبكي الذي هاجر الى ألمانيا منذ ما يزيد على الخمس عشرة سنة، هو بحكم إقامته وربما دونها قريب للغاية من فنون ما بعد الثمانينات.

اليوم يرعى سعيد معرضاً في صالة أجيال ليس له ولا لواحد من جيله، إنه معرض لفنان عاش بين 1888 و1953 ولسنا نعرف سبب انشغال سعيد بيوسف عبو بل يتراءى أن هذا الانشغال هو بحد ذاته غرض فني، بل واحد من فنون ما بعد الحداثة.

إن هذه المزاوجة بين الفن والبحث وبين الفنان والباحث، واستثمار البحث بالفن بل وتحوله الى عنصر فني كما هو الحال في الفن المفهومي.

هذه المزاوجة تلقي ضوءاً على انشغال سعيد بعلبكي بيوسف عبو لكننا لا نكتفي بهذا السبب، ولا نتوقف عند اعتبار هذا الشاغل عملاً فنياً لسعيد بعلبكي، ولا نجد أن عمل سعيد بعلبكي منذ سنوات على فنان هو بالكاد مختفٍ، بما يعني ذلك ليس فقط العودة إليه وإلى سيرته بل وإضافة الى ذلك التفتيش عن آثاره التي اختفت معه، والتنقيب عنها واحداً واحداًز فمعرض يوسف عبو الذي أعده سعيد بعلبكي وحمله معه من ألمانيا، حمل معه ما استطاع، بالجهد والبحث والمتابعة، أعواماً أن يصل إليه، وما وصل إليه سعيد بعلبكي ليس كثيراً وبالتأكيد ليس كافياً.

لوعلمنا أن الفنان الذي اشتهر حين تسنت له الشهرة، كنحات لم يعرض له سعيد سوى قطعة نحتية واحدة، معدنية لا تزيد كثيراً عن قبضة اليد. قطعة واحدة لنحات مختفٍ ليس هذا بالكثير بالطبع.

يزيدنا ذلك شعوراً لا نعرف تماماً كيف يخطر ولا نفهم سره، لكننا نظل نحس أن العكوف سنوات على فنان مختف، تصيد آثاره والتنقيب عنها، دون جدوى كبيرة ونتائج باهرة، أعواماً لا تنتهي الا بمجابهة اختفائه والتوغل في هذا الاختفاء مرة جديدة، دون الوصول إالى أكثر من علامات ضائعة، علامات أخرى على اختفائه، فهناك إلى جانب هذه المنحوتة التي بحجم القبضة، والتي تبدو لذلك تحفة اختفاء لا أكثر. إلى جانب هذه المنحوتة هناك رسوم وتخطيطات جميعها تبدو تمارين غير مكتملة. يخيل إلينا، ونحن نرى ذلك، مبلغ ما يكابده سعيد بعلبكي ليخرج يوسف عبو من العتم، دون أن ينجح في أن يضعه كلية في الضوء، فثمة هذا الشعور بأن ما وجده ليوسف عبّو لم يتخلص تماماً من الظلمة التي وُجد فيها. إنه يبدو هكذا خارجاً من الظلّ، ولا يزال بعض هذا الظل ظاهراً عليه.

 لا نعرف إذا كان إلحاح سعيد بعلبكي في أن ينقل معرض يوسف عبو الى بيروت، رغبة في أن يزرع النبتات القليلة التي وجدها، في أرض ملائمة فيوسف عبو فلسطيني من صفد من أصل يهودي، زاول في صفد أعمالاً كثيرة من بينها البناء الذي شكّل صلته الأولى بالحجر.

سافر الى ألمانيا حيث برزت موهبته كنحات واشتهر بحيث غدا له صيت فيها وصار بين المعروفين في هذه المرحلة، وعرض الى جانب كاندينسكي، وبيكمن وفناني ألمانيا الكبار، ولما انتصرت النازية هرب عائلته ولحقها الى الدانمارك، ومنذ ذلك الحين اختفى تماماً ولم يبق له أثر، هذا اليهودي الذي بقي فلسطينياً، بحيث سمى ابنه حسين، هو أيضاً ابتكار فنان لبناني أراد أن يُجدد زرعه في أرض لبنانية.