شباب من "شبيبة التلال"، تنظيم إسرائيلي متطرف.(أرشيف)
شباب من "شبيبة التلال"، تنظيم إسرائيلي متطرف.(أرشيف)
الأحد 29 يوليو 2018 / 19:36

قانون القومية وتداعيات قريبة وبعيدة..!

الجيل الجديد من هؤلاء لم يعد يرى في الحكومة الإسرائيلية حليفاً في الكفاح ضد الفلسطينيين، بل يرى فيها عقبة، ينبغي إزالتها من خلال "ثورة يهودية" تطيح بالعلمانيين، واليساريين، ودعاة السلام، وحل الدولتين

لقانون القومية الجديد في إسرائيل تداعيات وتفاعلات قريبة وبعيدة المدى. ولن يتمكن أحد، في الواقع، من حصرها. ومع ذلك، ليس من السابق لأوانه القول إنها ستسهم في تعزيز وجود، ونفوذ، ونشاط، الجماعات الأكثر تطرفاً في أوساط المستوطنين، والحقل السياسي الإسرائيلي بشكل عام.

ولا يقتصر الأمر، في هذا السياق، على الأحزاب العلنية، والرسمية، التي يتشكّل منها معسكر اليمين القومي ـ الديني، الذي يهيمن على الحياة السياسية، ولا حتى على لوبيات المستوطنين، التي تمثل أحد أكثر القوى نشاطاً وفاعلية في حملاته الانتخابية.

فعلاوة على هذا كله، ثمة جماعات صغيرة، كانت حتى وقت قريب هامشية تماماً، لا تتورّع حتى وسائل الإعلام الإسرائيلية، ومن بينها منابر إعلامية للمعسكر القومي ـ الديني نفسه، عن وصمها بالإرهاب. وفي الشرطة، وأجهزة الأمن الإسرائيلية، دوائر خاصة تُعنى بملاحقة ومكافحة تلك الجماعات. وفي المحاكم الإسرائيلية، وبصرف النظر عن ليونة الأحكام، إلا أن المُدانين من أفراد تلك الجماعات بارتكاب أعمال عنف، كما في حادثة إحراق عائلة الدوابشة الفلسطينية، مثلاً، يُحاكمون كإرهابيين.

تتركز تلك الجماعات في أوساط المستوطنين، في الضفة الغربية، وفي مدارسهم الدينية، وتطلق عليها أجهزة الإعلام الإسرائيلية تسميات مختلفة مثل "شبيبة التلال"، وجماعات "تدفيع الثمن"، و"جماعة المتمردين"، و"غيفعونيم"، و"بات عاين السرية". ويقوم أفرادها بقطع الطرق، والاعتداء على المزارعين الفلسطينيين، وإحراق بيوتهم، وممتلكاتهم، ناهيك عن تخريب أو سرقة الماشية والغلال. كما وينشط هؤلاء في الاستيلاء على الأراضي، وإنشاء بؤر استيطانية جديدة، وفرضها كأمر واقع.

ولهؤلاء مرجعيات ثقافية ودينية، ويستمدون مصادر إلهامهم من حركة كاخ، التي أنشأها الحاخام مئير كاهانا، في ثمانينيات القرن الماضي، وكان على رأس أهدافها تهجير الفلسطينيين. فاز كاهانا بعضوية الكنيست، في أواسط الثمانينيات، ولكن دعوته العنصرية، وتورّط أنصاره في أعمال إرهابية، دفعت المحكمة العليا إلى حظر الحركة، ورفض مشاركتها في الانتخابات البرلمانية.

وفي السياق نفسه، ينظر هؤلاء إلى باروخ غولدشتاين، الذي ارتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل، في العام 1994، وقتل 29 فلسطينياً يؤدون صلاة الفجر، كمثل أعلى، ومصدر إلهام. كان المذكور عضواً في "رابطة الدفاع اليهودية" التي أنشأها كاهانا، في الولايات المتحدة، قبل الهجرة إلى إسرائيل. وقد أقاموا له نصباً تذكارياً، وحوّلوا قبره في مستوطنة كريات أربع إلى ما يشبه المزار. ومع ذلك، لن يبدو هذا كله مجدياً ما لم نلحظ ما طرأ من تحوّل أيديولوجي، على مدار العقد الماضي، في فكر جماعات الإرهاب اليهودية.

فالجيل الجديد من هؤلاء لم يعد يرى في الحكومة الإسرائيلية حليفاً في الكفاح ضد الفلسطينيين، بل يرى فيها عقبة، ينبغي إزالتها من خلال "ثورة يهودية" تطيح بالعلمانيين، واليساريين، ودعاة السلام، وحل الدولتين، ووسيلته لتحقيق أمر كهذا إشعال حرب دينية، وتنصيب حكومة يهودية تستمد شرعيتها، ومبرر وجودها، من "الهالاخاه"، أي الشريعة اليهودية. وربما لا يبدو من قبيل المصادفة أن حفيد مائير كاهانا نفسه، ويُدعى مئير إتنغر، من أبرز النشطاء في هذا المجال.

واللافت للنظر، هنا، أن دعوات كهذه خرجت في السنوات الأخيرة من نطاقها الضيّق، في أوساط جماعات هامشية، ومعزولة، لإنشاء موطئ قدم في التيار الاجتماعي والسياسي الرئيس. فكتابات الحاخامات، الذين يمثلون الآباء الروحيين، والمنظرين الأساسيين لهؤلاء، أصبحت متداولة ومعروفة. هناك، مثلاً، كتاب لاثنين من الحاخامات هما اسحق شابيرا، ويوسف إليتسور، بعنوان "تورات هميليخ" يجيز صراحة قتل غير اليهود.

وفي سياق كهذا، يبدو للوهلة الأولى أن قانون القومية الجديد، الذي لا يعترف لغير اليهود، بحقوق قومية، قد يُشبع جانباً من حاجات الإرهابيين والمتطرفين الجدد. وهذا غير صحيح. فمشكلة هؤلاء مزدوجة، وبقدر ما يتعلّق الأمر بما طرأ عليهم من تحوّلات أيديولوجية، فهي مع النظام الإسرائيلي نفسه، ومع الفلسطينيين، في آن.

مشكلتهم مع النظام أنه لا يحكم بالشريعة اليهودية، ومع الفلسطينيين هي مُجرّد وجودهم الفيزيائي على الأرض. والواقع أن ما في القانون الجديد من ميول عنصرية حصرية وإقصائية يعزز قناعتهم بصواب ميولهم الحصرية والإقصائية، إذ في وسعهم، دائماً، الادعاء، أنهم أكثر تمثيلاً للشريعة اليهودية، من حكومة مطعون في يهوديتها، تقوم على التعددية الحزبية، ويحتكم مواطنوها إلى محكمة العدل العليا بدلاً من المحاكم الحاخامية. وبهذا المعنى، سنرى ونسمع، في قادم الأيام، الكثير عن هؤلاء.