مخيمات للنازحين السوريين في إدلب.(أرشيف)
مخيمات للنازحين السوريين في إدلب.(أرشيف)
الجمعة 10 أغسطس 2018 / 12:21

الغرب لا يزال قادراً على تحديد شروط السلام في سوريا

حض ديفيد ميليباند، رئيس لجنة الإنقاذ الدولية، صانعي السياسة في الغرب على إظهار قوتهم في اجتماع مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا خلال الشهر الجاري، إذ لا يمكن السماح بتجاهل الأزمة السورية التي دامت سبع سنوات وأودت بحياة نصف مليون شخص وشردت أكثر من 5 ملايين آخرين وأعادت ترتيب الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، ولكن الأسوأ لم يأت بعد.

بشار الأسد وروسيا يطمحان إلى اللعب وفق قواعدهما الخاصة من أجل الفوز في هذه الحرب، وإرغام الغرب على دفع كلفة إعادة إعمار سوريا، ولكنها أوهام

ويشير ميليباند، في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أن قوات الرئيس السوري بشار الأسد قد اقتحمت في يونيو (حزيران) الماضي المنطقة الجنوبية الغربية من سوريا، حيث بدأت الانتفاضة ضد نظام الأسد. وفي غضون أسابيع، سيطرت على المعابر الحدودية مع الأردن التي كانت تستخدمها وكالات الإغاثة لتوصيل المساعدات عبر الحدود لمئات الآلاف من السوريين الذين هم في حاجة ماسة إليها.

وحشية نظام الأسد
والآن باتت لجنة الإنقاذ الدولية (أكبر مورد للرعاية الصحية في جنوب سوريا؛ حيث كانت تدعم أكثر من ربع مليون سوري بالتعاون مع شبكة من المنظمات الشريكة داخل سوريا) محرومة من الوصول إلى هؤلاء المحتاجين الذين أصبح مصيرهم مجهولاً.

ويرى ميليباند أن تأكيدات الحكومة السورية تثير الريبة في ضوء الأوضاع في مناطق أخرى سبق لنظام الأسد أن استعادها مثل الغوطة وشرق دمشق، وبخاصة لأنه حتى المنظمات الإنسانية المرخص لها بالعمل داخل سوريا لم تحصل بعد على تصريح من حكومة الأسد لتقديم المساعدات التي تحتاج إليها بشدة المناطق التي خضعت مؤخراً لسيطرة الحكومة.

ويضيف ميليباند أن المساعدات الإنسانية منعت على رغم تزايد الاحتياجات على الأرجح؛ بسبب الهجمات الوحشية على درعا التي دفعت مئات الآلاف من السوريين إلى النزوح من منازلهم في غضون أيام فقط، وتتزايد مخاطر تعرض هؤلاء السكان لهجمات انتقامية مثل التجنيد العسكري القسري، والحرمان من المساعدات الإنسانية، والانتهاكات الجنسية ضد النساء والفتيات؛ حيث تقوم حكومة الأسد بإعادة تأكيد سيطرتها.

كارثة إنسانية جديدة
وعلى مجلس الأمن الدولي المطالبة بوصول المساعدات الإنسانية من دون قيود إلى الجنوب، ورصد حماية المدنيين السوريين وضمان التوزيع العادل للمساعدات، وتسجيل أي جرائم يتم ارتكابها، والمساءلة الكاملة للجناة بموجب القانون الدولي. ويجب أيضاً حماية العاملين في المجال الإنساني والحاصلين على المعونة الإنسانية (الذين كانوا يعيشون لسنوات تحت سيطرة المعارضة) من مواجهة أي عواقب في الوقت الراهن بعد سيطرة نظام الأسد.

ويحذر ميليباند من كارثة إنسانية جديدة في شمال غرب سوريا حول إدلب؛ إذ رحّلت جماعات المعارضة من أماكن أخرى في البلاد هناك في إطار ما يسمى "اتفاقات المصالحة" وتستعد هذه الجماعات لمعركتها الأخيرة ضد نظام الأسد، وثمة 2.6 مليون شخص من المدنيين عالقون بين المعارضة ونظام الأسد، ونزح نصفهم مرة واحدة على الأقل بسبب القتال، كما يحتاج مليون وسبعمائة ألف شخص بالفعل إلى مساعدات إنسانية من أجل البقاء. وقد فر قرابة 70 ألف شخص من فظائع الغوطة الشرقية حيث كانوا يعيشون تحت الحصار طوال خمس سنوات.

صفقات خطيرة
ويلفت رئيس لجنة الإنقاذ الدولية أن روسيا فرضت نفسها لاعباً رئيسياً في الحرب السورية، وفي نهاية شهر يوليو (أيلول) الماضي اجتمعت مع تركيا وإيران في سوتشي الروسية لمناقشة الاحتمالات في إدلب، ولكن الصفقات الأحادية التي تخطط الهجمات العسكرية ولا تحمي المدنيين تنطوي على عواقب خطيرة، وقد تم استبعاد الأمم المتحدة وتجاهل عمليتها لصنع السلام.

وبحسب ميليباند، يحتاج مجلس الأمن إلى إعادة تأكيد نفسه، وينبغي على الدول الأوروبية الدائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا) استخدام صوتها ونفوذها لحماية المدنيين في شمال غرب سوريا، وذلك من خلال المطالب الثلاثة التالية:
أولاً: ضرورة تعليق الأطراف المعنية أي هجمات عسكرية وتنشيط محادثات السلام بقيادة الأمم المتحدة، وبخاصة لأن مناطق تخفيض التصعيد واتفاقات المصالحة لا تحمي السوريين أو القانون الإنساني الذي صاروا ضحية هذه الحرب الطويلة الخارجة عن القانون.

ثانياً: ينبغي فتح مراكز المراقبة العسكرية الاثني عشر التابعة للجيش التركي في إدلب لمسؤولي الأمم المتحدة؛ لردع أي انتهاكات للقانون الإنساني الدولي، كما يجب أن تسمح تركيا بوصول المساعدات الإنسانية بالكامل إلى شمال غرب سوريا عبر حدودها.
ثالثاً: توفير ضمان مساند في حال وجود أي نزاع، إذ يجب أن تكون هناك طرق آمنة وحدود مفتوحة إلى تركيا للمدنيين الذين يفرون بحياتهم.

أوهام روسيا والأسد
ويلفت رئيس لجنة الانقاذ الدولية إلى أن بشار الأسد وروسيا يطمحان إلى اللعب وفق قواعدهما الخاصة من أجل الفوز في هذه الحرب، وإرغام الغرب على دفع كلفة إعادة إعمار سوريا، ولكنها أوهام يجدر التحرر منها. ولذلك يجب توضيح أن تمويل الغرب لمساعدات إعادة إعمار سوريا ما بعد الحرب مشروط بحدوث عملية انتقال سياسي شامل وحقيقي تتم من خلال مفاوضات في جنيف مع توفير الضمانات لسلامة السوريين في الوقت الراهن.

ويشدد المقال على أن نفوذ الغرب ليس قاصراً على الأموال فقط وإنما يتمثل في وجوده أيضاً. وفي الوقت الحالي يوجد قرابة 2000 جندي أمريكي في شمال شرق سوريا (يخضع الآن لسيطرة الأكراد) الأمر الذي يُعد بمثابة ضمانة ضد هجمات نظام الأسد ضد المدنيين، وعلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إدراك أهمية مثل هذا النفوذ وعدم الانسحاب.

ويختتم المقال "يدفع السوريون ثمن حصانة رئيسهم وإفلاته من العقاب، وقد بات الأسد الآن في موقف أقوى مما كان عليه منذ سنوات، ولكن يجب إثبات أن الفوز بالحرب ليس مثل الفوز بالسلام".