الشاعر محمد مهدي الجواهري.(أرشيف)
الشاعر محمد مهدي الجواهري.(أرشيف)
الأحد 12 أغسطس 2018 / 20:05

صرخة الجواهري في أبوظبي لفتيان الخليج

أبوظبيٍ بما أخذت وأعطت عروسٌ مهرُها نارٌ وقود

لا يختلف العرب على الجواهري شاعراً، حتى وإن اختلفوا معه في المواقف السياسية. شبهه النقاد بالمتنبي، في حكم نقدي لا يمكن أن يُتهم بالمبالغة. فالجواهري فرض شاعريته على الجميع، وأظهر نبوغاً في المعاني والمباني، ولامس آفاق الحكمة الشعرية بشكل لم يتكرر منذ أيام المتنبي.

عام 1979 قدم إلى أبوظبي، وأحيا أمسية شعرية خالدة فيها، ثم غادر. غادر جسداً، ثم غادرت روحه عالمنا. وبقيت القصيدة الخالدة التي تعد من روائع شعره شاهدة على أبوظبي وحكمتها، والشاعرية وبصيرتها.

اشتهرت القصيدة باسمين، الأول أخذ من مطلعها "أعيذك أن يعاصيك القصيد" والثاني من بيتها الشهير "فتيان الخليج" نسبة للبيت الذي تكرر أكثر من مرة فيها. لكن البيت الذي يحلو لعشاق أبوظبي أن يرددوه هو قوله:

أبوظبيٍ بما أخذت وأعطت عروسٌ مهرُها نارٌ وقود

بدأ الشاعر قصيدته بأبيات يفخر بها بشاعريته، وحق له أن يفعل، ثم يفخر بحكمته، مقدماً دليلاً مقعناً ببيان مبين:

كشفتُ بأمسِ وجهَ غدٍ رهيبٍ أماطت عنه قافيةٌ شرود
كزرقاءِ اليمامة حين جلَّا مصائرَ قومها بصرٌ حديد
وما كنتُ النبيَّ بها ولكن نبيُّ الشعرِ شيطانٌ مريد

وسواء اتفقنا مع حكمته أو اختلفنا، فإن المحك يبقى في أن استقراء المستقبل ليس أمراً معجزاً، فكل ما يحتاجه المرء هو قراءة الماضي، والاعتبار بأحداث التاريخ.

ومن لم يتعظ لغدٍ بأمسٍ وإن كان الذكي هو البليد

ينادي الشاعر فتيان الخليج ويستحث عقولهم الراجحة أن ينتبهوا للوضع المحيط بهم، ويحذرهم من عدو متربص، وأصدقاء جهلة وقعوا في قبضتهم وسعوا لتحقيق أهدافه:

أهيبُ بكم و قد رجفَ الصعيدُ ومات الوعدُ وأنتفض الوعيد
حذاري بني الخليج فثمَّ وحشٌ حديدُ الناب مفترسٌ حقود
خبيث الكيل في شركٍ خفيٍّ يصيدُ عوالماً فيما يصيد
يغازلكمْ مراودةً و يُغزي سواحلكم أساطيلاً ترود

ثم يحدد السبيل إلى التعامل مع هذا الوضع مستشرفا واقعا نعيشه ما بين خندق يدافع عن عروبة الخليج ووجوده، وبين خندق آخر اختار أن يطأطئ للمستعمرين وإن اختلفت رطاناتهم وتنوعت:

أفتيان الخليج ولا خيارٌ وأن زعم الدعاةُ ولا محيد
و ليس هناك إلا من يطاطي إلى المستعمرين ومن يذود

ويختم الشاعر بأمل لا ينطفئ، بأن الأصالة باقية، والطيب متجذر، وكل زرع رديء سوف يحصد بأيدي جيل جبار يحسن صناعة التاريخ، ويكتب مستقبله بوعي وقوة:

أفتيان الخليج وكل زرعٍ رديءٍ سوف يلفظه الحصيد
سينهض من صميم اليأس جيلٌ مريدُ البأسِ جبارٌ عنيد
يقايضُ ما يكون بما يُرَجَّى ويَعطفُ ما يُراد لما يُريد