الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والبروفيسور مجدي يعقوب.(أرشيف)
الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والبروفيسور مجدي يعقوب.(أرشيف)
الثلاثاء 3 مارس 2020 / 20:52

وشاح محمد بن راشد ... لقلب مصر

كان ذلك التكريم الإماراتي النبيل، ردًّا صافعًا على أرباب التكفير الذين لفرط ضآلتهم يودّون تقليص العالم على مقاسهم الصغير

فرحَ المصريون فرحة عارمة بتكريم البروفيسور المصريّ "مجدي يعقوب" الأسبوع الماضي في دولة الإمارات العربية المتحدة التي تعرف قدر "الإنسان"، وتُعلي من شأن بنائه والارتقاء به، كونه أهمَّ وأغلى ما يمكن الاستثمار فيه. فرحنا بتكريم رجل يقضي يومَه وليلَه يداوي ويُطبِّب ويبحث ويُطوّر ويتعلّم ويُعلّم ويصنع كوادرَ جديدة تُنقِّبُ عن إكسير القلوب المُتعبة.

 رجل يهربُ من الأضواء ويفرُّ من التكريمات وكلمات الثناء لأنه يعتبرُ أن كل لحظة يقضيها في حوار تليفزيوني أو على منصّة تكريم، مخصومةٌ من وقت عملية جراحية قد تُبرئ مريضًا من علّته، أو وقت تجربة يُجريها ليدخل معمل التحديث في مجال عمله: “إشفاء القلوب المريضة". لهذا كانت فرحتنا هائلة لحظة توشّح السير مجدي يعقوب بوشاح محمد بن راشد للعمل الإنساني، واعتبر كلُّ مصري أنه توشّح ذلك الوشاح مع ذلك الرجل الذي نذر عمرَه من أجل قلوب المتعبين.

الملوكُ يعرفُ قدرَها الملوكُ. ولا يعرفُ قيمةَ أهلِ العلم، إلا أهلُ التحضّر والإنسانية. لأنهم يدركون أن العلمَ هو صانعُ الحضارة وصديقُ الإنسان الأوفى. صُنّاعُ الحياة والأمل، لا يعرف قدرَهم إلا صُنّاعُ الحضارة وبناةُ الإنسانية. لهذا كان تتويج ذلك المايسترو بلقب: (صانع الأمل) في دبي تتويجًا لكل إنسان جادٍّ يعرف قيمة العمل من أجل بناء الإنسان.

صورة السير مجدي يعقوب مع سمو الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس مجلس الوزارء الإماراتي، حاكم دبي، تصدّرت جميع المواقع، وتشارك في إرسالها الكلُّ للكلِّ، كأنها شهادةٌ تقول إن "صناعة الأمل" واجبٌ و"فرضُ عين" على كل إنسان، وإن هناك قاماتٍ رفيعة تعرف قيمة "صناعة الأمل"، التي تفوق كل ما عداها من صناعات عرفها الإنسانُ منذ وطأ هذه الأرض. صناعةُ الأمل هي المنجزُ الأهمُّ الذي عرفته البشرية عبر التاريخ. وأبناءُ الإمارات تعلّموا وأتقنوا فنَّ بناء الإنسان وفن صناعة الحياة. منذ قرابة النصف قرن، أدركوا أن الاستثمار في الإنسان هو أعلى وأغلى ألوان الاستثمارات، لهذا أنشأ الشيخ محمد بن راشد مؤسسة ضخمة لمتابعة نبض الحياة في كل أرجاء العالم، ورصد النيّرين الذين يصنعون الأمل لإنقاذ البشرية من المرض والجهل والفقر، ثالوث الويل ضد البشرية. وكانت العبارة الجميلة التي كتبها الشيخ محمد بن راشد على حسابه في تويتر، شعارًا لإعلاء قيمة صناعة الأمل: “مع البروفيسور مجدي يعقوب، يداً بيد، نصنع أملاً جديدًا. أطال الله عمرَه وزاده همَّة وطاقة ونشاطًا في خدمة الناس".

كان ذلك التكريم الإماراتي النبيل، ردًّا صافعًا على أرباب التكفير الذين لفرط ضآلتهم يودّون تقليص العالم على مقاسهم الصغير. كان ذلك التكريم الإماراتي للطبيب المصري العظيم مجدي يعقوب، تكريمًا لكل بيت مصري يضمُّ قلبًا شفاه السير مجدي يعقوب بأمر الله. فهذا الرجل له خفقةٌ في كلِّ قلبٍ مصريّ، وصورةٌ معلّقةٌ على كل جدار. له مكانٌ في كلِّ منصّة علم في أرجاء العالم، وله مبضعُ جراحة على كلّ طاولة تُطيّبُ قلبٍ موجوع. له حلمٌ في صدر كلِّ إعلامي يودُّ استضافته في لقاء، وله ومضةُ عدسة في كلِّ كاميرا تلاحقه لترصدَ إنجازاته النبيلة لصالح البشرية المعذّبة. لكنه هاربٌ من الضوء، زاهدٌ في الحديث، عازفٌ عن الدروع والأوسمة والتكريمات. إنه مشغولٌ بضبط إيقاع قلب طفل يكادُ يفارقُ الحياة قبل أن يدركها، أو قلب رجل تتضرّعُ أسرتُه إلى الله كي يعودَ إليها عائلُها الوحيد، أو قلب أمٍّ يبكي أطفالُها في انتظار عودتها إليهم.

هو المايسترو الذي منحه اللهُ عصا قادرةً على ضبط إيقاع القلوب على النغمة الأصح. تأتي إليه القلوبُ الكسيرةُ وقد شابَ إيقاعَ قلوبِها شيءٌ من نشاز، أفسدَ لحن الحياة، فيعيدُ ذاك المايسترو العظيم دوزنة الخفقِ، ليتّسقَ الخفقُ مع أوكتاڤ الحياة. إنه السير مجدي يعقوب، البروفيسور العالمي في علاج أمراض القلب، والإنسان الرفيع الذي زهدَ في مباهج الحياة، وعزفَ عن بهرجها وزُخرفِها، وجّند عينيه لمراقبة الشرايين التي تضخّ للقلوب دماءَ الحياة، وجنّد أذنيه على ضبط إيقاع خفقها. لا نلمحُ ضحكتَه إلا في بين أطفال يتحلّقون حولَه يُمطرونه بالقُبلات والعناق لأنه ضبط إيقاع قلوبهم الموجوعة. ولا نلمحُ فرحتَه إلا لحظة خروجه من غرفة العمليات وقد أنقذ إنسانًا من الموت. فيما عدا هاتين اللحظتين، لا نلمحُ في ملامحه إلا الصمتَ والإطراقَ والعزوف عن الحديث. وفي مقابل هاتين اللحظتين في حياة مجدي يعقوب، هناك لحظان أخريان في حياة مئات الآلاف من المرضى الذين دُوِّنت أسماؤهم في سجلات مركز مجدي يعقوب لعلاج أمراض القلب. لحظتان فريدتان في عمر كلِّ مريض منهم. لحظةٌ تعسةٌ كسيرةٌ فاقدةٌ للأمل، وهي لحظة دخول المركز بقلب عليل لا يكاد يقوى على الحياة؛ يحسب الأيام الأخيرة في عمر صاحبه. ولحظةُ فرحٍ وأمل وانطلاق مفعم بالحياة، وهي لحظة الخروج من المركز بقلب سليم قوي يرسم لصاحبه غدًا مشرقًا حاشدًا بالعمل والنجاح. ما بين اللحظتين الفارقتين في عمر كل مريض، ثمّة عقلٌ يفكّر، وقلبٌ يحبُّ، ويدٌ تعمل، من أجل تحويل اللحظة الأولى إلى اللحظة الثانية. من أجل تحويل التعاسة إلى فرح، واليأس إلى أمل، والموت إلى حياة.

شكراً للشيخ محمد بن راشد، على هذا الوشاح النبيل، الذي هو تاجٌ لقلب مصر.