الأربعاء 24 يناير 2024 / 12:54

الذكاء الاصطناعي يؤثر على عمليات التعلم في الدماغ

تعمل في أدمغتنا مليارات الخلايا العصبية المتشابكة، وتؤدي مناطق مختلفة في أدمغتنا مهاما مختلفة.

وبحسب خبراء، فإن الرقمنة تغير عمليات التعلم في الدماغ، كما يفرض الذكاء الاصطناعي على الدماغ متطلبات جديدة عبر برامج مثل روبوتات الدردشة "شات جي بي تي".
يفترض عالم النفس وباحث الدماغ بيتر غيريتس من معهد لايبنتس الألماني للوسائط المعرفية في توبينجن أن "شات جي بي تيط وبرامج مماثلة سيكون لها تأثير كبير على نظام التعليم، مشيراً إلى إن استخدام مثل هذه البرامج بكفاءة وعلى نحو هادف ليس أمراً مضموناً بأية حال من الأحوال.
يقول العالم التربوي بمناسبة اليوم العالمي للتعليم الموافق 24 يناير (كانون الثاني): "خلال العملية التعليمية يجب ألا يتم إسناد عملية التعلم النشط إلى شات جي بي تي دون تحفيز الدماغ... المهم هو ما يحدث في الرأس وما ينتج كإنجاز تعليمي حقيقي، لكن حدوث ذلك بدعم أو بدون دعم جي بي تي لا يشكل فارقا في نهاية المطاف".

التفريغ المعرفي

يرتبط إحالة العمل المعرفي إلى الذكاء الاصطناعي دائماً بمسألة ما إذا كان هذا من شأنه أن يتيح مساحات حرة يمكن للدماغ استخدامها لمهام أخرى. وقد تمت مناقشة هذا الأمر بشدة أيضاً عندما تم استحداث أنظمة الملاحة "جي بي إس".
يقول غيريتس: "الحقيقة هي: إذا لم تعد هناك حاجة إلى مهارة معينة، فإن مناطق الدماغ التي تنفذ هذه المهارة ستضعف... إذا استخدمت الآلة الحاسبة للقسمة، سأكون أسرع بكثير في نتائجي، لكن مهارتي في القسمة ستضعف، وهذا سيؤثر على المناطق المعنية بذلك في الدماغ".

في المقابل أكد جيريتس أن هذا لا يعني نهاية مأساوية لهذه المهارة قائلاً: "ما هو مدفون في الدماغ يمكن إحياؤه، أي أنه لا يضيع".
ويوضح الباحث أن مناطق معينة في الدماغ "تتضخم" عندما تكون المتطلبات قوية للغاية، حيث "تصبح أكبر وأكثر كثافة"، بينما تتقلص تلك المناطق مع تراجع تلك المتطلبات، مشيراً إلى أن أداء مهام متعددة بصفة متواصلة يؤدي إلى إرهاق الدماغ.

الضغط يزيد على قشرة الفص الجبهي

حتى استخدام الأجهزة التقنية مثل الأجهزة اللوحية في التعلم الرقمي يتطلب المزيد من الانتباه والطاقة، لأنه بالإضافة إلى معالجة المحتوى يتطلب استخدام التكنولوجيا تركيزاً، حسبما يوضح عالم الأحياء العصبية مارتن كورته من الجامعة التقنية في مدينة براونشفايغ الألمانية.

يقول العالم إنه عند التمرير عبر عدة صفحات والانغماس في الضغط على الروابط التشعبية للصفحات، يصبح التركيز على المحتوى المقصود في الأساس واستيعاب مجمل المعلومات أمراً مرهقاً، موضحاً أن الضغط هنا يزيد على وجه الخصوص على قشرة الفص الجبهي، وهي - بحسب وصف العالم - "مركز القيادة في الدماغ وقمرة القيادة، حيث تجتمع كل المعلومات معاً ويتم توزيع المهام"
يشير كورته إلى أنه في ظل توقع زيادة الضغط على مركز القيادة في الدماغ عبر الذكاء الاصطناعي بأدواته مثل شات جي بي تي، فإن ما يلي ينطبق بشكل أكبر: "إذا أصبحنا مجرد متفرجين سلبيين عبر الإجابات الجاهزة خلال التعلم، فإن التعلم لن يكون مستداماً".

يؤكد العالم أن النشاط مهم، وكذلك القدرة على التفكير في المحتوى والمعلومات، مؤضحاً أن هذا يؤدي بعد ذلك إلى إنشاء المعرفة التي يتم تخزينها في الدماغ، والتي بدورها "تغير التشابكات، أي بنية الدماغ".

في المقابل يؤكد كورته أن الذكاء الاصطناعي، الذي يتم إدراك نقاط قوته وضعفه، يمكن أن يكون مكسباً للدماغ البشرية، "ولكن فقط إذا أصبحنا - المعلمين والطلاب - أكثر ذكاء بنفس القدر الذي تزداد فيه الآلات ذكاء".

الذكاء الاصطناعي يفرض متطلبات إضافية على الدماغ

يقول غيريتس: "تقييم المعلومات الجديدة وانتقاؤها ومقارنة المصادر - كل هذا عمل يؤديه الفص الجبهي لدماغنا. هذه القدرة على التقييم تزداد أهميتها"، مشيرا في ذلك إلى أن شات جي بي تي يعطي دائما انطباعا بأنه قدم إجابة صحيحة "بطريقة سلسة لغويا وكاملة الصياغة وبأقصى درجة من القناعة، ولكن دون ذكر المصدر".

يرى غيريتس فرصاً هائلة لقطاع التعليم مع أدوات الذكاء الاصطناعي مثل شات جي بي تي، موضحاً أنه يمكن أن يكون لذلك العديد من المزايا للطلاب، على سبيل المثال عند إنشاء مواد التدريب واختبار المعرفة المكتسبة. يقول جيريتس: "ومع ذلك يظل لدينا رفيق تعلم وشريك محادثة يجب التعامل معه بحذر، لأنه لا يعرف كل شيء، ويقدم أحياناً هراء تاماً".
يشير جيريتس إلى أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت هياكل الدماغ ستتغير على المدى الطويل عبر استخدام الذكاء الاصطناعي. وفقاً لاستطلاع أجراه الاتحاد الألماني لتكنولوجيا المعلومات (بيتكوم)، فإن 61% من جميع المواطنين في ألمانيا يؤيدون استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم.

نظرة على الجامعات

وصل الذكاء الاصطناعي أيضاً منذ فترة طويلة إلى عالم الجامعات. ومع ذلك تفاجأ الناس في بون مؤخراً، حيث أظهر اختبار أجراه معهد التعليم الطبي في المدينة الألمانية أن تقريبا 50% من الطلاب لم يتمكنوا من التحديد بشكل صحيح ما إذا كانت أسئلة الاختيار من متعدد وضعها بشر أم الذكاء الاصطناعي.
وكان من المعروف هناك بالفعل أن شات جي بي تي وأدوات مماثلة يمكنها الإجابة على الأسئلة في الاختبارات الطبية الحكومية.

وتُستخدم تلك البرامج أيضاً في الاختبار الذاتي للمعرفة المكتسبة. ويبدو الآن أنه تم العثور على أداة واعدة لإنشاء أسئلة الاختبارات لطلاب الطب.