القمة العالمية للحكومات.
القمة العالمية للحكومات.
الخميس 22 فبراير 2024 / 15:42

كلمة الشيخ سيف بن زايد تُسطَّر بماء الذهب

جاء انعقاد مؤتمر القمة العالمية للحكومات فرصة لتعزيز التعاون بين الحكومات، ولتبادل وتلاقح الأفكار ولتحفيز الإبداع، إذ باتت القمة مصدر إلهام عالمي جديد نحو ترسيخ التعاون العالمي، وبلورة مستقبل الحكومات من أجل خدمة البشرية بالطرق المثلى، كما أنها تمثل حدثًا عالميًا بامتياز، باعتبارها منصة إعلامية متكاملة للتطوير، أطلقتها للعالم أجمع دولة الإمارات العربية المتحدة.

هذا الخطاب النوعي قد نجح في نقل قصة انتصار الإرادة الإماراتيَّة

ولقد كان هناك ترقب عالمي ملحوظ للقمة العالمية للحكومات، وذلك لما لها من دور مهم في صياغة مستقبل العالم.
وأتت القمة في نسختها الأخيرة للعام الحالي 2024، في وقت يشهد فيه العالم العديد من الأزمات والتحديات بكل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لذا كان لا بدَّ من خطاب يُجدد القيم في النفوس، ويُعزِّز روح الرحمة والمحبة للوطن والتضامن، لتنزل سكينة على القلوب، تبث مفردات التقدم والازدهار والتطور في قاموس المواطن المعاصر.
إن الاقتراب من تحليل الكلمة التي ألقاها الفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، في الكلمة الرئيسية بعنوان "مسيرة الأجداد ومسؤولية الأجيال"، تجعلنا نستجلي بهدوءٍ وموضوعيّةٍ الخلفيَّاتِ الثقافيّة الناظمة لهذا الفكر القيادي.
 أكتفي- هنا- بتحليل بعض العوامل الأساسيّة التي يُمكنها أن تساعدنا في إدراك الرهانات الحضاريّة الخطيرة التي ينطوي عليها هذه الخطاب الملهم، وأهمها محاولة استرجاع الذاكرة الوطنية، لتمكين المواطن من عناصر القوَّة، ونشر إرثه الإنساني والحضاري، لأنه يعدُّ مطلباً ملحّاً يغذِّي الذائقة الوطنية. 
وما أبطال التاريخ إلا رجال اغتنموا الفرص وانتهزوها، لأنهم كانوا ثاقبي النظر، ويمتلكون رؤية تستجلي المستقبل.
كما أشار بحزم إلى أن أحد أهم مجالات التمكين هو مستوى التعليم العالي في الدولة، حينما أدرك صناع القرار أن القافلة تسير مع ركب الحضارة والعلم والتطور، ولا ننكر الفضل الحضاريّ الذي تجلّى في عمليّات التنشئة والتربية والتنوير، التي اضطلعت بها الشعوب العربية في هذه المنطقة مهد الحضارات، ونخص بالذكر منها دولتنا الحبيبة.
ثم إن الخطاب أبرز حتمية التصالح مع العصر وثوراته العلمية والتكنولوجية، والانخراط في معركة التقدم، والاستمرارية نحو التنمية في كافة المجالات، كما تضمن الخطاب أهمية الحزمة القيميَّة، واكتساب التدين المعتدل، والتشبُّث بالقيم الثقافية الأصيلة. 
إن الإمارات قد طوّرت وصفة مثالية وهي مزيج خاص من الأفكار والخطط الريادية لتشجيع الرخاء الاقتصادي وجودة الحياة، والتكيُّف مع كلِّ الظروف والمتغيرات، وهذه هي الحقيقة التي تستعصي على الإنكار.
ولقد اتسم خطاب الشيخ سيف بن زايد آل نهيان برسالته الوطنية، وبالشعور الجارف بمسؤوليته تجاه الوطن والمواطن، ومحاولته الجادة لترسيخ العمق التاريخي للدولة، والتعريف بأمجادها وعراقتها الحضارية، وإرثها الثقافي والاجتماعي، وإبراز منجزها الحضاري، وما وصلت إليه من تقدم ومكانة إقليمية وعالمية، واستجلاء ملامح عهد شيوخ الإمارات الأفذاذ وقراراتهم الحكيمة التي تؤكد أن الإمارات تضع نصب أعينها خريطة العبور إلى المستقبل، وعدم التفريط في المكتسبات التي أنجزها الأسلاف، للوصول بالبلاد إلى آفاق رحبة من التنمية.
لا يغيب عن فطنة المتابع لهذا الخطاب الوطني التاريخي، ذلك الوعي بالتاريخ الوطني وبالمستقبل في آن واحد، حيث جاءت كل كلمة في الخطاب تعبيراً حيّاً عن الاهتمام بالمستقبل، وعن استشرافه والتحسُّب له، وهي كلمات تسطر بماء الذهب، إذ قدم الخطاب مثالًا يُحتذى للدولة الرشيدة راسخة الجذور، وأكد أن الإمارات تصنع الأمل والتنوير في كل بقاع المعمورة.
وفي استعراض التحدي حول اختيار القدوة المناسبة، قال إن تطور وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، جعلت مفهوم القدوة يختفي شيئاً فشيئاً، وظهر مفهوم جديد وهو "المؤثر"، الذي بدأ يروج لنا قيماً جديدة مختلفة عن قيمنا، هدفها الرئيس تفكيك الأسرة، وإسقاط  القدوات، وتشويه الرموز الوطنية للدول.
لكن الإمارات أدركت أنّ هناك ثقافة النموذج والقدوة والمثالية لا بدَّ لها أن تسود، لذلك سيطرت تلك الثقافة على فكر الإنسان الإماراتي وسلوكه، فقد أرسى ركائزها القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه.
 كما أدركت الإمارات أن معيار التحضر هو القدرة على الحفاظ على الأصالة والتراث، وموطن المعجزة هو الثقافة الوطنية المستحكمة للشعوب على مر اﻷجيال، واسترجاع الذاكرة الوطنية، لتمكين المواطن من عناصر القوة، ونشر إرثه الإنساني والحضاري بين الأمم، حيث قدر للمغفور له- بإذن الله- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أن يبني الواحة الغنَّاء في وسط الصحراء.
إن هذا الخطاب النوعي قد نجح في نقل قصة انتصار الإرادة الإماراتيَّة، وقدرتها على تحقيق المعجزة التنمويَّة والأمنيَّة، والتعبير عن تفرُّدنا وتميُّزنا وقيمنا، وقصة دولتنا، ونشر قيم الدولة وثقافتها الغنيَّة، ومنظومتها القيميَّة الفريدة.
 وقد أثبت الشيخ سيف بن زايد أن الأمة التي لا تحافظ على ذاكرتها الوطنية وإرثها الحضاري الذي خلَّفه لها أسلافها العظماء، هي أمة ميتة، ولا يمكن لها أن تنهض وتبعث من جديد.
تحية تقدير للشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، على هذه الكلمة التي تحمل من الفكر العميق والرؤية الثاقبة ما يليق به وبدولتنا الإمارات.