جانب من مراسم توقيع تمويل مشروع رأس الحكمة في مصر (أرشيف)
جانب من مراسم توقيع تمويل مشروع رأس الحكمة في مصر (أرشيف)
الخميس 29 فبراير 2024 / 12:38

الحكمة في صفقة "رأس الحكمة".. الجنيه يحلق والسلع تتدفق والسيسي "مفيش في العالم كده"

24-سليم ضيف الله

أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الأربعاء، وصول جزء من المبالغ المالية التي تضمنها الاتفاق الذي وقعته مصر مع شركة القابضة إيه.دي.كيو، في الإمارات، لتطوير منطقة رأس الحكمة، في شمال مصر، ليسترد الجنيه المصري، بشكل فوري تقريباً عافيته، وتماسكه عند أعلى مستوى تقريباً في عام، على حساب السوق السوداء.

وحسب تقرير لوكالة رويترز، أمس الأربعاء، عرض متعامل في وسط القاهرة، 48 جنيهاً لشراء الدولار الأربعاء، انخفاضاً من أكثر من 60 وحتى 70 جنيهاً،  للدولار قبل الإعلان عن صفقة رأس الحكمة في الأسبوع الماضي.

تماسك الجنيه

وسعر صرف الجنيه الرسمي، ثابت عند 30.85 جنيهاً للدولار، منذ أكثر من عام، بعد قرار التعويم منذ 2022، ولكن سعره في السوق غير الرسمية، حلق إلى 70 جنيهاً للدولار، خاصة في الأشهر الثلاثة الماضية. 
ونقلت رويترز، عن فاروق سوسة من بنك غولدمان ساكس "بالنسبة لآليات سعر صرف النقد الأجنبي، فإن أقوى تدفق سيكون مصدره السوق السوداء"، وأضاف "يقدر البعض أن الدولارات المدخرة تقع في نطاق 50 مليار دولار. لكن مع بدء بعضهم بيعها، قد يكون الدعم الذي يتلقاه الجنيه هائلاً".

وفي نهاية الأسبوع أعلنت شركة إيه دي كيو القابضة في أبوظبي الاتفاق مع الحكومة المصرية، على إطلاق مشروع استثمار ضخم في رأس الحكمة، شمالي البلاد على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، لإقامة مدينة ضخمة من الجيل المقبل، حسب وصف الشركة، تتضمن إلى جانب المشاريع العقارية الفاخرة، والسياحية الراقية، مطاراً ومارينا، ومدينة جديدة ببنية تحتية متطورة، تمهيداً لتحويل رأس الحكمة إلى مدينة متكاملة على مساحة 170 كيلومتراً مربعاً.

من جهته، قال رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يوم الجمعة الماضي، إن الاستثمارات في رأس الحكمة تبلغ 35 مليار دولار، وإن قسطاً أول منها سيحول إلى مصر سريعاً، في حدود  15 مليار دولار، ومن المقرر أيضاً أن يدخل بعدها 20 مليار دولار إلى مصر، وتحدثت مصادر مصرية أمس الأربعاء، عن وصول 5 مليارات دولار تقريباً.

أخويا فخامة رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد

من جهته قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أمس، في مناسبة رسمية أشرف عليها، وتحدث فيها عن المشروع: "بنتكلم عن أكبر مشروع سياحي على البحر المتوسط، ربنا يساعدنا إحنا والأشقاء في الإمارات، بنتكلم على مدينة فيها حياة مستمرة بأنشطة مستمرة بشكل كامل على مدار العام".
وأضاف "وهنا لازم أوجه الشكر لأشقائنا في الإمارات، وأخويا فخامة رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد، لأن مش سهل أبداً إن حد يحط 35 مليار دولار في شهرين، مفيش في العالم كده، وده شكل من أشكال المساندة والدعم، وبشكل واضح والقرار اتاخد في ثانية ومن غير إحراج ولا أي حاجة، الدنيا كلها بتقف جنب بعضها، وإحنا أشقاءنا في الخليج دايماً جنب مننا يعني".

دفع هائل

من جهة أخرى، كان الدفع المعنوي والمالي، لصفقة رأس الحكمة في مصر هائلاً، فإلى جانب تعافي الجنيه الفوري،  وتحفيف الضغط على سعر صرف العملات الأجنبية، يتوقع محللون أن يجلب المناخ الجديد مدخرات هائلة بالعملة الأمريكية إلى المصارف، والمزيد من التحويلات المالية من المصريين بالخارج، أكبر مصدر للعملة الأجنبية في البلاد، ما من شأنه إطلاق عجلة التمويل المصرفي والمالي، وتنشيط الدورة الاقتصادية بأكملها.

وفي هذا الإطار نقلت تقارير مصرية، عن بعض المصادر أن الحكومة في القاهرة طلبت من البنك المركزي، ومن وزارة المالية، تخصيص نحو ملياري دولار من المبالغ الواردة، للإفراج عن البضائع المتراكمة في الجمارك، وإعطاء الأولوية للسلع الاستراتيجية، مثل القمح، والألبان، والزيوت، والأدوية، قبل دخول شهر رمضان.

صفقة وتوقيت

ويعتبر محللون أن من شأن صفقة رأس الحكمة، بما تضمنته من فرص تمويل، أن توفر حماية مناسبة للاقتصاد المصري من صدمة كبرى، كان سيتعرض لها بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على حزمة تمويل إضافية، كانت ستفضي بالضرورة إلى تآكل قيمة الجنيه أمام الدولار، ما يعني ارتفاعاً هائلاً لا يمكن السيطرة عليه للعملة الأمريكية أمام العملة الوطنية المصرية، وما يتبعه من ارتفاع أسعار كبير وتضخم مفرط.

وقالت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري هذا الأسبوع في تصريحات نقلتها وسائل إعلام إماراتية، إن توقيت الصفقة، وحجمها، كان في أفضل توقيت ممكن "لأن مصر ستحتاج إلى سيولة كبيرة من العملات الأجنبية قبل تخفيض قيمة الجنيه، ومن المرجح أن يكون توحيد السعر الرسمي للجنيه المصري مع سعر السوق الموازية عنصراً رئيسياً في صفقة صندوق النقد الدولي، وإعادة التوازن الاقتصادي".

من جهته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور هانى أبوالفتوح، وفق موقع اليوم السابع، اليوم الخميس، إن صفقة رأس الحكمة "علامة فارقة في مسار حل أزمة العملة الصعبة في مصر، حيث تُضخ 35 مليار دولار استثمارات أجنبية مباشرة خلال شهرين، ما سيُحسّن احتياطي مصر من العملات الأجنبية وقيمة الجنيه".

وفي تصريح لصحيفة العرب، اليوم الخميس، قال خبير الاستثمار المصري عمرو فتوح، إن "تبعات الصفقة مع الإمارات ستمثل حلاً ناجزاً لمواجهة السوق الموازية، وتشجع الاستثمار المحلي وجذب رجال شركات أجنبية جدية".

بعد الحكمة.. جميلة

ويبدو أن مصر لن تكتفي بالصفقة الضخمة مع إيه دي كيو، وتجهز لصفقة أخرى مماثلة، مع مستثمرين سعوديين، في شرق البلاد هذه المرة، في المنطقة التي تعرف برأس جميلة.

ورغم أن مساحة المنطقة التي توجد قرب مطار شرم الشيخ، على البحر الأحمر، لا تضاهي مساحة رأس الحكمة، إذ لا تتجاوز 860 ألف متر مربع، لكن موقعها قبالة الشواطئ السعودية، على مقربة من جزيرتي تيران وصنافير، في ظل الحديث عن تفكير في إقامة جسر بين مصر والسعودية، يرشحها لاحتضان مشاريع واستثمارات بـ15 مليار دولار، قالت تقارير مصرية وعربية كثيرة في الأيام الماضية، إن مؤسسات سعودية مستعدة لضخها في المنطقة.

ونقل موقع المنصة المصري، هذا الأسبوع عن مصدر قال إنه من رئاسة الوزراء المصرية، أن "عرض الجانب السعودي للحكومة يتضمن تطوير وتنمية المنطقة من خلال إنشاء سلسلة من الفنادق العالمية، ومنطقة ترفيهية، ومنتجعات سياحية، ومراكز للتسوق، ومطاعم، وكافيهات، بإجمالي استثمارات قد تصل إلى أكثر من 15 مليار دولار".

ولا يستبعد مراقبون أن تمضي مصر والسعودية قدماً في المشروع، لأنه يمكن أن يندرج في إطار المشروع الأضخم على الضفة السعودية المقابلة المتمثل في مشروع نيوم العملاق، الذي يشمل في جانب منه بعض المناطق المصرية.

فرص واعدة

وفي تقرير لموقع الحرة، يقول المحلل الاقتصادي المصري، خالد الشافعي، إن رأس جميلة فرصة لإبراز قدرات الاقتصاد المصري من خلال شواطئ مصر الساحرة، وسيؤدي المشروع إلى جذب المزيد من السائحين واستغلال فرص استثمار تبعث على "التفاؤل بالاقتصاد والمواطن المصري".
وأضاف "برأس الحكمة، والآن رأس جميلة ومشاريع أخرى لاحقة يمكن القول إن في مصر فرصاً اقتصادية واعدة".
ويرى الشافعي أن هذه المشاريع يمكن أن تعالج فجوة التمويل، وأن تقضي على السوق الموازية للدولار، ما يخفض أسعار السلع، ويطمئن المستمرين على قدرات الاقتصاد المصري.
.