منظر عام لدبي.
منظر عام لدبي.
الإثنين 4 مارس 2024 / 20:33

الثقافة الإماراتية ... والخيارات الفكريَّة المرنة

لا يخفى على الحصيف أن النفس المجبولة على الكراهية أو التطرف تمتلك دوافع عدوانية، وتتسم ببوادر إجرامية، وعدم التعاطي مع الآخرين بطريقة فكرية مرنة، كل هذا يخلق فرصًا نفسية مرضية، ويُقلِّص مجالات الإدراك والتفكير، وينال من قيم التعايش بين الديانات والثقافات والحضارات الإنسانية.

المرونة في التفكير هي جزء من سمات الشخصيات المتصالحة مع نفسها

نجحت الإمارات في التعامل مع كل أشكال العولمة الثقافية، وقد تحقق لها ذلك بفضل ما تمتلكه من منهجية علمية ومن فكر واع، أتاح لها أن تصبح في المرتبة الأولى عالميًّا في التعايش السلمي بين الجنسيات، كما قطعت أشواطاً كبيرة نحو ترسيخ مبدأ التعايش والانفتاح على الآخر وفق إستراتيجية محكمة تهدف إلى مدِّ جسور التواصل والتعاون مع مختلفة ثقافات الشعوب الأخرى.
ولقد كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ذا فكر عميق يتسم بالمرونة والطلاقة في التفكير، مما كان له أبلغ الأثر في تعزيز ثقافة التعايش السلمي في الإمارات، وصولًا إلى مخرجات التسامح الإنساني الذي نرى نتائجه ونجني ثماره على الصعيد الوطني.
المرونة في التفكير هي جزء من سمات الشخصيات المتصالحة مع نفسها، فهي مهارة وتربية تتسم بها الشخصية المتزنة، وهي القدرة على الاستجابة السريعة للمتغيرات الحديثة، والتكيف مع التحديات الكبرى، في عالم دائم التغيُّر، وهي القدرة على إدارة المواقف بحكمة، لتعزيز التنوُّع الثقافي وحوار الحضارات، خدمةً للسلام، وترسيخًا لثقافة التعايش السِّلْمي، والتناغم الإنساني بين شعوب العالم وثقافاته.
والتفكير المرن هو مظهر من مظاهر القدرة على التجديد، واستنباط الحلول، وتوالد الأفكار، وخلق الحلِّ الأفضل في الوقت المناسب، وهو مطلب شرعي، من أجل حمايتنا من غلوِّ الأفكار، ولصدِّ تيارات التشدُّد التي تعرقل جهودنا نحو الازدهار، وتقوِّض أمننا في بيئة متغيِّرة.
والحقيقة أن الواقع السيئ الذي نراه أحيانًا ما هو إلا نتيجة للغياب عن فاعليَّة الأفكار الحيَّة، والقصور في التعامل المرن مع الأحداث الطارئة، وهنا يأتي دور الثقافة التي من شأنها أن تقدم أفكارًا، وتطرح مقاربات وتصورات خلَّاقة للمواطنين، وتخلق فرص الاستثمار في التفكير المرن، وتعزِّز مقومات الخصوبة في الأفكار والإنتاج، ولاستدعاء المعاني والأفكار العظيمة والرؤى الخلاقة.
الثقافة المستنيرة قادرة على خلق لغة مشتركة تقوم على التنوُّع، بعيدًا عن المشهد العامَّ للثقافة الأحادية، وهنا تبرز الحاجة إلى أدوار ثقافيَّة تكسر حاجز النمطيَّة المسلَّم به، لأنها ثقافة جامدة تجعل البشر نسخًا متطابقة، بقناعات واحدة، وأفكار موحَّدة، وهذا ضدَّ الطبيعة، وضدّ نظام الكون.
الإنسان المعاصر الوسطيُّ لا بدَّ أن ينفتح على التفكير المرن، كما أن التعايش بين الناس، وصناعة قيم التسامح، وتعزيز مناخات التلاقي والانفتاح على الثقافات الإنسانية ببعديها المعاصر، لا يمكن أن يحدث أو يُصنع بدون الانفتاح والمرونة في التفكير، وتقبُّل الآخر، والاستعداد المبكر للحوار والتناغم مع المتغيرات الطارئة. هذه المهارة تشكِّل اللبنات الأولى لبناء كل أنواع القوة الناعمة، وخلق السِّلْم العالمي والحوار بين الحضارات والتصالح معها، والاستفادة من تجاربها على جميع المستويات، في الصناعة والزراعة والتنمية والتفكير والتدبير والتطوير، إذ إنها تطرح حزمة من الخيارات المطروحة والمتاحة، وتحثنا على التحلِّي بقوة التفكير المرن، فقد باتت هذه المهارة هي القوة المحركة نحو التنوع الثقافي، بل المحرك للتنمية على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية.
ليس من الجديد أن أقول لكم إن الإمارات أصبحت نموذجاً للاستقرار السياسي والتعايش والاعتدال، واحترام الحريات الشخصية، ولهذا السبب فإن الإمارات صنعت المبادرات التي تعزز من مناخات التلاقي والانفتاح على الثقافات الإنسانية في العالم، ففي عام 2019 جاءت وثيقة الأخوة الإنسانية التي صدرت بمناسبة استضافتها "لقاء الأخوة الإنسانية"، فضلًا عن كونها تحتل- كما ذكرنا- المرتبة الأولى عالميّاً في التعايش السلمي بين الجنسيات.