القمة الثقافية في أبوظبي.
القمة الثقافية في أبوظبي.
الإثنين 11 مارس 2024 / 19:57

القمة الثقافية...ولون آخر للثقافة

لا حل لمن يريد مكانة مرموقة أو حماية مصالحه غير الانخراط في التقدم




إن الدعوة للثقافة هي دعوة نحو السلمية التي لا تتغيَّر ولا تميل إلى الباطل، ولا تخفي شيئًا وراءها إلا الإصلاح والتغيير، كما أنها دعوة إلى تكريس الخير والحق ومعاني الفضيلة، وتغيير القناعات، وتصحيح المفاهيم، ومن طريق الثقافة يتم بناء الشخصيَّة الإنسانيَّة القادرة على صناعة الحياة.

وقد التقت الإرادة الشعبية بالإرادة السياسية القادرة على تحقيق المعادلة الصعبة، مما أوجد في بلادنا تلك الثقافة الإبداعية التي تمثل محركًا أساسيًّا للاستدامة والنمو، وأصبح من المهام السياسية في المنظومة الدبلوماسية تمكين الثقافة بكلِّ محاورها، في إطار ترسيخ القوانين المساعدة والتشريعات السياسية الداعمة للتمكين الثقافي، واستكشاف الإمكانات الهائلة للرقمنة والتكنولوجيا في القطاعات الثقافية لزيادة إسهامها في النمو الاقتصادي.

وتأكيدًا لهذه الرؤية جاءت القمة الثقافية في أبوظبي، تلك القمة التي جمعت نخبة من قيادات قطاعات الفنون والتراث والإعلام والمتاحف والمؤسسات الثقافية والتكنولوجيَّة؛ من أجل التنمية والبحث عن الوسائل المثلى التي يمكن للثقافة من خلالها تغيير وتحسين مستوى الوعي العام في المجتمعات حول العالم، وتنظمها من خلال شركاء عالميين، مثل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، ومتحف ومؤسسة سولومون آر غوجغنهايم، و"إيكونومست إمباكت"، و"غوغل"، ومتحف التصميم في لندن، والعديد من المؤسسات الفنية والثقافية والتقنية والإعلامية الأخرى من جميع أنحاء العالم.

وقد أريدَ لهذه القمة الثقافية تمثيل الهوية الوطنية العالمية للإمارات أمام الإعلام الآخر، وترسيخ التعايش الثقافي بين الشعوب، والتأكيد على أن هناك فرصًا استثنائية لإطلاق الأفكار الإبداعية والخلَّاقة للقطاعات الثقافية والإبداعية على نطاق عالمي، واستكشاف المسائل الشائعة والشائكة، والتواصل خارج الحدود.
إن التناقضات السياسية تحدث عندما يكون هناك غبش في الرؤية الثقافية، تلك حقيقة لا تقبل الجدال، كما أن الدبلوماسية المتزنة هي تلك الدبلوماسية المثقفة القادرة على تحقيق تطلعات الشعوب، والتي تستكشف مستقبلنا المشترك والواعد؛ من أجل تبادل المعرفة، وتطوير السياسات.
كما أن من أهم أدوار الثقافة أنها تقاوم التوترات السياسية؛ ولهذا لا ينبغي الاستهانة بقوة الثقافة والفكر، فالثقافة هي مؤشِّر يقيس مدى تحقُق التمكين السياسي؛ من أجل النضوج السياسي وجعله أكثر حضورًا.
في نسخة 2024، حاولت القمة الثقافية- كما خُطِّط لها- الإجابة عن السؤال المهم حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الثقافة- التي غالبًا ما تربط بين الماضي والحاضر والمستقبل- والانتقال من الحالة التي ولَّدها تصاعُد التصنيع والاتجاه إلى الآلية والميكانيكية، إلى زمن ثقافي جديد يُعاد تنسيقه وترتيبه. وفي هذا دلالة مهمة، تناقشها المحاور الأخرى المتعلقة بالثقافة كونها قطاعًا إبداعيًّا يحظى بالعديد من الفرص الاقتصادية.
بناءً على الاستعراض المعلوماتي آنف الذكر؛ فإنه يمكننا القول إن سلاح الثقافة موجَّه في المقام الأول إلى محاربة الأفكار التي تؤجِّج الخلاف والعنف، وتدعو إلى الخرافة.
إن الثقافة خطوة مهمة باتجاه التحضُّر، وأن نسير مع ركب الحضارة والعلم والتطور والنهضة؛ ولذا فإن الثقافة الحالية ستكون محركًا حيويًّا من أجل عالم أكثر استدامة، ومستقبل أكثر ازدهارًا لجميع الشعوب، وستكون قادرة على تحويل التكنولوجيا إلى سلاح في معركة التقدم، لكنها ستكون مرهونة بوجود تعليم متطور، وجامعات عصرية، ومناهج مفتوحة على المستقبل ومستلزماته.
لا حل لمن يريد مكانة مرموقة أو حماية مصالحه غير الانخراط في التقدم وصناعة الأيام الآتية، وهذا هو دور الثقافة في التمكين السياسي كما يراها قادة بلادنا الذين نعتز بحكمتهم ونراهن على وعيهم ورجاحة أفكارهم.
وقد اختار ملتقى القمة الثقافية أبوظبي 2024 لهذا العام شعار "مسألة وقت"، بما يشير إلى إيمان القادة بأهمية الثقافة على مستوى الفرد والمجتمع، فتَحيَّة واجبة إلى دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، وإلى الشركاء الرئيسيين بما قدموه من حوارات إبداعية ومناقشات ملهمة.