الخميس 28 مارس 2024 / 15:11

كتبٌ مبصرةٌ (6 ــ 8)

 "مواجهة الإسلاموفوبيا في أوروبا".. سرديّات مُضادَّة للعنصريَّة

"تأتينا الكُتُب محمّلة بمعرفة ـ يقينية أو ظنية ــ هي بنات أفكار مؤلفيها، فتأخذنا معها إلى عوالم المتعة، والبحث، والمساءلة أحياناً، ومن خلال البصيرة ـ تدبراً وتأملاً ـ نستحضر معها الماضي، ونعيش معها الحاضر، ونتسابق معها نحو غد واعد، فتبدو لنا الأماكن مفتوحةـ والزمن ممتداً، حتى لو كانت الكتب متعلقة بقضية واحدة، تنوعت الرؤى حولها، وتعددت طرق البحث فيها، على النحو الذي سنراه في هذه القراءة الرمضانية لثمانية كتب، خاصة بـموقع (24:)

 

في التاريخ الإنساني، ظهرت موجات كراهية بين الأمم والشعوب، بل حتى داخل الوطن الواحد، نتيجة لصراعات دينية، ومذهبية، وعرقية، وثقافية.. وغيرها، ووصل الخوف فيها الذروة، حتى بلغت قلوب المتصارعين الحناجرـ خاصة من الأقليات، وتحول الخوف إلى فوبيا (رهاب) في أحيان كثيرة.
وبالرغم من التكاليف الباهظة للكراهية على الصعيد الإنساني، إلا أنها ظلت محدودة على المستوى المدني والحضاري، أي أنها لم تكن صفة عامة أو فعلاً مقبولاً من الجميع، ما يعني ضيق مجالها، حتى حين تبنتها دول كبرى تحالفت في وقت ما، كما تركزت على جانب واحد، كأن يكون الدين، أو المذهب، أو العرق، وقليلاً ما جمعت بين خلفيات متعددة للعداء.
يأتي هذا الحديث من حالة الكراهية التي وصل إليها المسلمون في العالم الغربي، وخاصة في أوروبا لدرجة بدت من ناحية ردّ الفعل أكثرَ شدة من الولايات المتحدة الأمريكية التي تعرضت لهجمات الحادي عشر من سبتمبر(أيلول) 2001.
لقد تعدت كراهية الإسلام نتيجة أفعال بعض المنتسبين للإسلام، سواء أكانت إجراماً حقيقياً أو مجرد اتهامات باطلة نابعة من خوف متراكم، إلى خوف من الإسلام بتقاليده وثقافته على أنه تهديد للقيم الغربية، وأصبح هذا شكلاً من أشكال العنصرية، ثم إلى عداء ممنهج، تجاوز اتخاذ مواقف أيديولوجية وسياسية ودينية إلى مهاجمة العناصر البنيوية والثقافية والرموز والعلامات الدالة للفرد المسلم، باعتباره مستهدفاً في ذاته.

المشهد العنصري القاسي

تلك الكراهية، هي اليوم واضحة في أوروبا، وقد تحولت إلى "إسلاموفوبيا"، مما دفع بعض الباحثين إلى مواجهتها علمياً لأجل التقليل منها، كما في كتاب "مواجهة الإسلاموفوبيا في أوروبا"، الذي اشترك في تأليفه ـ بأوراق بحثية ــ 17 باحثاً، وشملت دراساته ثماني دول هي: "المملكة المتحدة، واليونان، وهنغاريا، والتشيك، والبرتغال، وفرنسا وبلجيكا، وألمانيا".
يقرُّ الكِتاب من البداية بأن أوروبا تعيش حالياً أوقاتاً عصيبة تشهد خلالها إعادة رسم ملامح المشهد العنصري القاسي.. "وأن معاملة المسلمين هي المعيار للعنصرية الأوروبية المعاصرة في مختلف دول القارة ومدنها" (ص 12).
السؤال هنا: عصيبة بالنسبة لمن؟ واضح ـ كما هو في الكتاب ـ أنها عصيبة على المسلمين وعلى القارة الأوروبية أيضاً، ذلك أن المشهد العنصري القاسي، تحول مع الوقت ليصبح طابع دول، ومن خلاله تبنَّت وسائل جديدة لإظهار العداء والإقصاء والفصل والسيطرة باعتبارها ردّاً على الإسلاموفوبيا.
والكتاب في مجمله يقدم عرضاً وافياً لمحورين أساسيين: أولهما: الاعتراف بتسارع انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا في أوروبا، وثانيهما: الإقرار بأن تلك العملية تواجه سرديات مضادة تنادي بالمعاملة الإنسانية، والتعددية، والعدالة للمسلمين.
بجانب ذلك يهدف الكتاب إلى مقارنة الدور الذي تلعبه تلك السرديات المضادة في ثماني دول أوروبية ـ سبق ذكرها ـ وذلك لمعرفة استخدامها وفاعليتها في توفير البدائل للسرديات السائدة المرتكزة على الكراهية والعداء، وكذلك في الحد من العنصرية، ومن شأن ذلك ـ كما يذكر الكتاب ـ أن يسهم في تلبية الحاجة إلى فهم أعمق، ومعرفة أوسع بنطاق السرديات المضادة للإسلاموفوبيا وأثرها في دول الاتحاد الأوروبي.

تمييز منهجي

السرديّات المضادة للإسلاموفوبيا في هذا الكتاب عُرضت سابقاً على البرلمان الأوروبي في 26 سبتمبر2018م، ولقيت استحساناً، وجرى إطلاقها في ورش عمل على الصعيد الوطني في عدد من الدول الأوروبية المختارة بعد ذلك، وهي الدول الثماني، التي سبق ذكرها، وكل ذلك جاء عبْر بحث الكتاب في المحاور الرئيسة التالية:
ـ التدخلات القانونية والسياسية الرئيسة، التي حاولت من خلالها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تحليل مفهوم الإسلاموفوبيا نظرياً، والتعامل مع الظاهرة من الناحية القانونية.
ــ أبرز أنواع ومضامين السرديات السائدة فيما يتعلق بالإسلاموفوبيا
ــ أبرز أنواع ومضامين السرديات المضادة للإسلاموفوبيا.  
من ناحية أخرى، فإن الكتاب اعتمد على مجموعة جديدة من البيانات هي نتاج العمل الميداني مع 272 شخصية من السياسيين، وصانعي السياسات، والمنظمات غير الحكومية، والناشطين، والعاملين في مجالات الإعلام والفنون، والأكاديميين.
بالإضافة إلى البيانات المكتوبة والموثقة المستقاة من الخطابات والتصريحات السياسية والحوارات والنقاشات الإعلامية، وبيانات المنظمات غير الحكومية، إلى جانب البيانات الرقمية المجمعة من منصات التواصل الاجتماعي، والإجابات المقدمة على استبيانات ميدانية من قبل 278 شخصية، لتقييم دور وفاعلية السرديات المضادة.
إن حشد هذا الكم الكبير من المعلومات، وما ترتب عليه من "توضيح للحقائق المثيرة للمخاوف التي تم استقراؤها من ثماني دول أوروبية أظهرت تأثر المسلمين في أوروبا بمختلف أشكال التمييز المنهجي في كل مكان العمل وقطاعي التعليم والإسكان، حتى في المجال العام، وذلك بشكل لا يتناسب مع أعدادهم في تلك الدول"(25)، يظهر أمراً في غاية الأهمية، وهو أن كراهية الأوروبيين للمسلمين حملت مخاوف حقيقية لدى المسلمين هناك، قد تصبح مع الوقت "أوروبوفوبيا"، وهذه ما كان لنا استنتاجها لولا مطالعة هذا الكتاب الثري، والمؤسس على أبحاث علمية، من الضروري مناقشتها على نطاق واسع.