تعبيرية.
تعبيرية.
الإثنين 1 أبريل 2024 / 12:39

رمضان.. الاحتفاء بالثقافة القرآنية

لم تعد القراءة اختياراً عاديّاً أو ترفاً، بل هي فريضة إسلامية، فنحن أمة "اقرأ"، وهي من أهم وأعمق الفنون وأكثرها خطورة، وهنا يبرز التحدي الحقيقي، وهو كيف نجعل هذا الجيل قارئاً مقيماً في حضرة الكتب الخالدة؟

هذا الشهر شهر النفحات والتجليات الإلهيَّة الفياضة

هذا عن القراءة بشكل عام، فماذا لو كانت القراءة لكتاب عظيم مثل القرآن الكريم؟! ما الذي يمكن أن يحصل لهذه النفس والروح والعقل إذا ما استقت مادة حياتها من مَعين الرحمن، تلك المادة الربانية التي تُغني عن سواها من المواد الأخرى الدخيلة على ديننا وثقافتنا وأعرافنا وتقاليدنا.
والمسلم الواعي يجاهد دائماً نفسه للسير في طريق الاستقامة، ويُبعدها عن طريق الغواية، ويزداد اجتهاده عند اقتراب مواسم الطاعات، فيتجدَّد عهده بالقرآن الكريم، ويرى أن هذه المواسم فرصته الحقيقية لتجديد العهد بكلمة الله "اقرأ"، التي هي مفتاح نبوَّة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، فإن هذا للشهر الفضيل يزدان بالقرآن الكريم، لتتحوَّل هذه المهارة إلى عبادة يُؤجَر عليها فاعلها، لأنه أول مدخل لتغيير الذات، ولجني ثمار هذه المكرُمة الإلهية المحفَّزة بالعطايا الربانيَّة، من خلال الإمعان والتدبر في القراءة الواعية للقرآن الكريم، والتوقف عند فهم المقاصد والمعاني، واستغلال الفرصة التي فيها مآرب كثيرة وكبيرة.
من المهم أن نستفيد من هذه الذائقة الثقافية القرآنية في تربية أولادنا وتعليمهم، وفي تحسين مستوى الثقافة الإسلامية لديهم، وأن نؤصِّل فيهم حب القراءة النوعية والزخم المعرفي، وأن نرفع عقلهم، ونغذي تفكيرهم، ونُكسبهم بالقرآن الكريم العمق والوعي، قبل أن تتحكّم في اختياراتهم ورؤاهم إرادات خارجية مغرضة.
إن الثقافة القرآنية هي أداة التثقيف، وهي أولى لبنات بناء الأساس الثقافي في الأجيال، وذلك لأن الثقافة القرآنية هي القادرة على أن تخلق التفكير الوسطي، والتدين المعتدل لمواكبة المتغيرات، واحترام العقل، وإشاعة التنوير، لكي ننجو من محاولات الغزو الثقافي والعولمة والاستلاب الفكري، وتحويل الأمة إلى بؤرة صراع وتناحر، وتجريد الإسلام من كل القيم الحضارية التي أضافها إلى الفكر الإنساني، وكأننا لم نكن يوماً أمة "اقرأ"، و"القلم"، و"الراسخون في العلم".
كما أنه لا بدَّ من تفعيل دور الثقافة القرآنية لإثراء المحتوى اللغوي، وإنعاش الفصحى؛ فاللغة العربية الصحيحة هي المفتاح الذي يجعلنا نأخذ مِنْ الدين بما لا يتعارض مع ضميرنا الأخلاقي، ولا مع الحس الإنساني، بما يعزز قيم الوسطية والتسامح وقبول الآخر، واللغة العربية في وضعٍ دفاعيٍّ صعبٍ، ولن تنجح في الدفاع عنها أية وسيلة لا تتَّخذ القرآن الكريم سبيلها إلى ذلك.
إنّ نزول القرآن الكريم على رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- كان قد ابتدأ في شهر رمضان المبارك، وبكلمة "اقرأ"، وقد تنزَّل فيه القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، كما كان المـَلَك جبريل- عليه السلام- ينزل على رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- في شهر رمضان المبارك، فيُعلّمه القرآن الكريم.
إن قراءة القرآن الكريم في هذا الشهر المبارك هي من أفضل الأعمال التي يمكن أن يقوم بها الإنسان تقرُّباً إلى الله تعالى، فقد اشتُهر شهر رمضان بتسميات متعددة، لعلَّ أبرزها أنه شهر القرآن، ولعل هذا الاسم يحمل الكثير من المعاني العظيمة التي تدل على مدى الارتباط الوثيق بين شهر رمضان والقراءة والقرآن الكريم، خاصَّةً وأنّ الأجور فيه تزداد، فهو إذن موسم للثقافة القرآنية، ومعراج للروح ومدارج للمعرفة ومسالك الصالحين، بما يقدِّمه من تصحيح للمعايير الفكريَّة وضبط المفاهيم الأساسيَّة للأمة.
وإذا كان لا بدَّ من ارتقاء الإنسان المسلم في رمضان إلى سُلَّم الكمال الذي هو "التقوى"؛ فعليه بالقرآن، فهذا الشهر شهر النفحات والتجليات الإلهيَّة الفياضة.. فمن غير الممكن أن يدخل الإنسان في مثل هذه الأيام الفاضلة، ثم يخرج منها محروماً محسوراً؟!
ولعلنا نقتدي بالسلف الصالح الذين أدركوا مقاصد هذا الشهر الكريم، فكانوا فيه يُشمِّرون للعبادة والاعتكاف وقراءة القرآن الكريم، احتفالاً واحتفاءً بالشهر العظيم الذي نزل فيه القرآن، لأنه بينات من الهدى والفرقان، كما أخبر ذلك في كتابه الكريم، من أجل إعادة تشكيل الذات الإيمانيَّة الصالحة والمحصنة، فلا بدَّ أن نعرف أن المكان الذي سنكون فيه غداً هو ذلك المكان الذي تأخذنا إليه ثقافتُنا الإسلامية وأفكارُنا القرآنية ومواردُنا وزادنا من قراءة القرآن الكريم.
هنيئاً لنا بهذ الشهر وبهذا الفضل، وندعو الله أن نكون فيه من المقبولين، وأن نكون فيه من عتقائه من النار.