الرئيسان الأمريكيان الحالي جو بايدن والسابق دونالد ترامب (أرشيف)
الرئيسان الأمريكيان الحالي جو بايدن والسابق دونالد ترامب (أرشيف)
السبت 20 أبريل 2024 / 10:41

لعنة المباراة الثانية بين ترامب وبايدن

رفيق خوري- إندبندنت عربية

معركة الرئاسة في أمريكا تدور عادة بين مرشح جالس في البيت الأبيض ومرشح يطرح شعار الحاجة إلى فكر جديد ودم جديد. هذه المرة هي على طريقة الأندية الرياضية، مباراة ثانية بين رابح وخاسر في مباراة أولى، معركة بين مرشحين مجربين اختبرهما الناخبون في الرئاسة، دونالد ترامب وجو بايدن.

ولا جديد لدى أي منهما منذ خاضا معركة عام 2020. بايدن الديمقراطي سياسي كلاسيكي تكونت أفكاره خلال الحرب الباردة، قضى سنوات طويلة كواحد من "الإستبلشمنت" عضواً في مجلس النواب ثم مجلس الشيوخ ورئيساً للجنة الشؤون الخارجية فيه، ونائباً للرئيس، ثم رئيساً. ومن السهل توقع ردود فعله لأنها محسوبة "لائق وصادق ومخلص، لكنه قد يثير مشكلة كبيرة إذا أعتقد أنه لم يأخذ حقه من الاحترام"، كما كتب الرئيس باراك أوباما في مذكراته "أرض موعودة".
ترامب الجمهوري قطب عقارات وظاهرة تلفزيونية بلا خبرة سياسية. تعلم من والده أن "العالم مباراة صفرية بين رابحين وخاسرين"، ويريد أن يكون الرابح دائماً، فإذا خسر ادعى أنه رابح مسروق. لم يعترف حتى اليوم بأنه خسر انتخابات 2020 أمام بايدن، ولا ندم على تحريض أنصاره من الغوغاء على اجتياح الكونغرس لمنع نائبه مايك بنس من إعلان فوز بايدن، ولا يزال يقول إن "الهجوم على الكونغرس كان واحداً من أعظم التحركات في التاريخ لإعادة عظمة أمريكا". خاضع لمحاكمات بـ91 تهمة، كذاب نصاب، محتال، مزاجي، سريع الغضب، لكن أنصاره يتكاثرون في ما يسميها حركة "ماغا" "اجعل أميركا عظيمة ثانية"، و"لا تستطيع منع الشعب من الإيمان بهراء مجنون"، كما يقول فرنسيس فوكوياما.
والمفارقات مذهلة في الاتجاهين، ومن الصعب وضع تحليل كامل لها. خلال ولاية بايدن الرئاسية خلقت 11 مليون وظيفة إنتاجية، وتجديد البنية التحتية، غير أن النتائج السياسية مختلفة، الأكثرية ترى أن ترامب الدجال أفضل في الاقتصاد من بايدن.

والواقع أن الحزبين الديمقراطي والجمهوري تغيرا كثيراً. الحزب الديمقراطي الذي هو تقليدياً حزب الطبقة العاملة والملونين والناخبين الذين لا شهادات جامعية لهم، وهم يشكلون 60 في المئة من المقترعين، وبايدن واحد منهم، صار "حزب النخبة المتعلمة وغالبيته الأقليات"، كما يقول الخبراء.

والحزب الجمهوري، حزب أبراهام لينكولن، خطفه ترامب، وادعى أنه الوحيد القادر على "إنقاذ الولايات المتحدة من الديمقراطيين ذوي النزعة الحربية، ومن الأغبياء في حزب جمهوري يديره وحوش ومحافظون جدد ومدافعون عن العولمة". وما فعله ترامب هو أن الحزب الجمهوري صار حزب الطبقة العاملة البيضاء والساخطين على النخب. لينكولن وحد أمريكا خلال الحرب الأهلية مع الولايات الجنوبية الانفصالية، وحرر العبيد. وترامب أسهم في تعميق الانقسام الأمريكي، واللعب بحرب الهويات الخاصة بعدما توحدت الهوية الأمريكية وتكرست بانتصار لينكولن في الحرب الأهلية، وانتصار وودرو ويلسون في الحرب العالمية الأولى، وفرانكلين روزفلت في الحرب العالمية الثانية، ورونالد ريغان، وجورج بوش الأب في الحرب الباردة.

الشيء المؤكد مع بايدن هو العودة للقيادة والدبلوماسية والشراكة ضمن مبدأ القول للحلفاء في أوروبا والشركاء في الخليج وكل الشرق الأوسط: "لن نفعل أي شيء من وراء ظهوركم"، حسب منسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي بريت ماكغورك.

والشيء المؤكد مع ترامب هو اللامؤكد. تكرار الادعاء أنه "الوحيد القادر على إنهاء حرب أوكرانيا وحرب غزة خلال 24 ساعة"، وعلى مواجهة الصين في ميدان التجارة، و"إعادة أمريكا عظيمة ثانية". وقمة البؤس الثقافي والسياسي الادعاء في "عالم اللايقين" معرفة كل الحلول والقدرة على صنعها، فضلاً عن سياسات التبسيط الشديد لتعقيدات عالم يبحث عن نظام عالمي بديل من النظام العالمي الذي صنعته أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية من دون أن تتبلور صيغة حتى اليوم.

والأفظع هو تهديد ترامب بـ"حمام دم" في أميركا "إذا لم يتم انتخابي"، وكان "الهجوم على الكونغرس بروفة". والأخطر هو قول ترامب، "إذا لم أفز فلست متأكداً أن انتخابات أخرى ستجرى في البلاد"، لكن بايدن الذي يتهمه ترامب بأنه "خطر على الديمقراطية"، يرى أن ترامب "خطر وجودي على الديمقراطية".
في كتاب "قيادة مكتب: الرئاسة الأمريكية من تيودور روزفلت إلى جورج بوش الابن" يقول المؤلف ستيفن غروبارد، وهو مؤرخ من جامعة هارفرد، إن "خلال 70 سنة تعاظمت أهمية المنصب، لكن نوعية الذين احتلوه تناقصت بصورة دراماتيكية".

وقبله رأى مؤرخ آخر أن تدني نوعية الرؤساء في البيت الأبيض يوحي بأن نظرية داروين عن تطور المخلوقات من القرد إلى الإنسان، هي نظرية خاطئة. أما جوناثان كيرشنر المتخصص في مجال العلوم السياسية والدراسات الدولية في كلية بوسطن، فإنه يسجل في كتاب "ظل ترمب الطويل ونهاية الصدقية الأميركية" أن أمريكا دخلت "عصر اللاعقل" مع مجموعة واسعة تدعم نظريات المؤامرة المتهورة والمتطرفة. وهي اليوم "تشبه أثينا في الأيام الأخيرة لحرب البيلوبونيز، وفرنسا في الثلاثينيات، هبوط نحو الاسترخاء يجعلها قريباً دولة مستهلكة للصراعات الاجتماعية الداخلية وليست دولة قادرة على ممارسة سياسة خارجية بناءة يمكن التنبؤ بها وتستحق الثقة". وانتخاب ترامب عام 2016، في رأيه، كان ضربة حظ وشيئاً بالصدفة، لأن فضائحه كانت كافية لإنهاء حياة أي سياسي أمربكي، لكن ترامب لم يتأثر". واللعبة تتكرر.
وليس أكثر من الأخطار سوى الفرص في أمريكا، لكن قوة عظمى مثل الولايات المتحدة لا تجد في مواجهة الأخطار واغتنام الفرص سوى عجوزين يتنافسان ثانية على البيت الأبيض. واحد يخلط بين حيفا ورفح، وآخر يهاجم القضاة الذين يحاكمونه ومحاميه السابق وينعى العدالة، ويشتم أقرب حليف له هو السيناتور ليندسي غراهام لمجرد قوله إنه يخالفه في موقفه المستجد من موضوع الإجهاض. شيء من لعنة قدر.