جنود أوكرانيون في دونيتسك (رويترز)
جنود أوكرانيون في دونيتسك (رويترز)
الإثنين 22 أبريل 2024 / 10:15

الأشهر المقبلة حاسمة للخروج من مأزق أوكرانيا

قال ستيفين سيستانوفيتش، زميل أول للدراسات الروسية والأوراسية في مجلس العلاقات الخارجية البحثي الأمريكي، إنه يمكن للحرب المستمرة منذ عامين في أوكرانيا، ولم تصل إلى طريق مسدود بعد، أن تشهد تحولاً كبيراً في الأشهر المقبلة، وستؤدي القرارات الأمريكية دوراً حاسماً في هذا السياق.

استراتيجية روسيا العسكرية الجديدة المُعزَّزة تزيد من الخطر أكثر

وقال سيستانوفيتش، في تحليله بالموقع الإلكتروني لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي: "لشهورٍ عديدة، لم يُستخدَم مصطلح أكثر من الجمود لوصف الحرب الروسية على أوكرانيا، وبالنسبة للجنرالات وصنّاع السياسات والمحللين العسكريين والصحافيين، ساعدَ هذا المصطلح على فهم الصعوبة التي يواجهها كل طرف في تحقيق مكاسب كبيرة ضد الآخر".
وشكَّلت صورة الحرب التي وصلت إلى طريق مسدود النقاش السياسي أيضاً، فبالنسبة للمدافعين عن وقف إطلاق النار، عزَّزَت هذه الصورة قضية التفاوض، أما بالنسبة للمنتقدين الذين شعروا بأن إدارة جو بايدن جنحت إلى الحذر الشديد، فإن الخطوط الأمامية المتسمرة في مكانها تعني أن واشنطن لم تقدِّم ما يكفي من المساعدات، في الوقت الذي كان من الممكن أن يُحْدِث ذلك فرقاً شاسعاً، وشرع منتقدون آخرون، خوفاً من صراع لا ينتهي في المستقبل، يصفون المساعدات الأمريكية بأنها غير مجدية ومبددة للموارد.
ولكن في حين أن كلمة "مراوحة " قدمت موجزاً مفيداً للحرب في ظل تلاشي الهجوم المضاد الأوكراني في النصف الثاني من عام 2023، إذ لم يتمكن الجانبان من تحقيق سوى مكاسب ضئيلة، فقد أصبح المصطلح الآن بالياً. 

وفي عام 2024، دارت أهم الأسئلة التي تواجه الجانبين حول احتمال انكسار حالة الجمود، ومن الممكن أن تشهد روسيا وأوكرانيا قريباً صراعاً متحولاً، صراعاً يكون لدى كليهما فيه أسباب حقيقية للأمل وكذلك للخوف والرهبة.

دفاعات أوكرانيا المتضائلة

وأوضح الباحث أنه تنصبُّ مخاوف أوكرانيا على ما سيحدث إذا استمر الكونغرس الأمريكي المنقسم سياسياً في عرقلة المساعدات، وخاصة إمدادات الأسلحة.

وتصف بريدجيت برينك السفيرة الأمريكية في كييف التوقعات بأنها "رهيبة"، وفي شهادة أمام مجلس النواب في 10 أبريل (نيسان)، وصف الجنرال كريستوفر ج. كافولي، الذي يقود العمليات العسكرية الأمريكية في أوروبا، تفوُّق روسيا في قذائف المدفعية بنسبة 5 قذائف إلى قذيفة واحدة، وتوقَّعَ أن يزداد هذا التفوق قريباً إلى معدل 10 قذائف إلى واحدة.
وأضاف الباحث أن حالة عدم اليقين بشأن المساعدات الأمريكية ليست العامل الوحيد الذي يجعل من الصعب الصمود أمام الهجوم الروسي الجديد. فأوكرانيا تسعى جاهدة منذ أواخر الخريف الماضي إلى تعزيز تحصيناتها الدفاعية الخاصة بها، غير أن نتائج تلك التحصينات غير واضحة.
فضلاً عن ذلك، فالسياسة الداخلية في أوكرانيا زادت من تعقيد المسألة، فالقادة العسكريون والسياسيون في كييف يتجادلون حول سياسة التجنيد الإجباري منذ شهور، وعلى الرغم من أن البرلمان أقرَّ أخيراً قانوناً يخفِّض سن التجنيد، إلا أن التأخير في تنفيذه قد يعني استمرار النقص في عدد القوات على الخطوط الأمامية لبقية العام.
وأوضح الباحث أن استراتيجية روسيا العسكرية الجديدة المعزَّزَة تزيد من الخطر أكثر. فقد شهد شتاء العام الماضي عدداً أقل من الهجمات على المدن والبنية التحتية الأوكرانية مقارنة بتوقعات كثير من المراقبين، لكن موسكو كثَّفت مرة أخرى الضربات على محطات الطاقة والأهداف الحضرية. 

والنتيجة ارتفاع عدد الضحايا وانقطاع الكهرباء في قطاعات كبيرة من بعض المدن. وتعتمد القوات الروسية أيضاً اعتماداً أكبر على "القنابل الانزلاقية"، وهي متفجرات عتيقة الطراز مزوَّدة بأجنحة وأنظمة توجيه تطلَق من طائرات بعيدة عن متناول الدفاعات الجوية الأوكرانية.

إطلاق العنان لأوكرانيا

يرسم مجمَل هذه التوجهات صورة قاتمة لأوكرانيا، يقول الباحث، ومع ذلك، على روسيا أيضاً أن تضع في حسابها احتمالات تعزيز الحملة الأوكرانية، وهو احتمال يعتمد إلى حد كبير، ولكن ليس حصرياً، على ما إذا كان الكونغرس الأمريكي سيوافق على إرسال المزيد من المساعدات.
وأضاف "من الممكن أن يكون للعملية التشريعية تأثير مبكر على الإمدادات الأوكرانية للمواد العسكرية الأساسية مثل قذائف المدفعية ومكونات الدفاع الجوي، مما يقلِّل من الحاجة إلى تقنينها بشكل صارم. ومن المحتمل أيضاً أن يكون لزيادة المساعدات تأثير غير مباشر على مستوى القوى العاملة الأوكرانية، وذلك بتعزيز ثقة المجندين الجدد، والحد من التهرب من التجنيد، وإحياء المكانة الوطنية للقيادات السياسية والعسكرية في الدولة".
وليست القدرة على الصمود أمام الضغوط الروسية على الخطوط الأمامية وحدها هي التي سترجح كفة الحرب لصالح أوكرانيا، حسب الكاتب. وسيعتمد النجاح في هذا المسعى على ما إذا كانت إدارة بايدن وشركاؤها الأوروبيون على استعداد أيضاً لتخفيف القيود التي فرضوها أو حاولوا فرضها، على الاستراتيجية والعمليات الأوكرانية.
وإذا امتلكت القوات الأوكرانية ما يكفي من أنظمة الصواريخ بعيدة المدى، لأصبحت قادرة على الحد من، وربما حتى تعطيل، استخدام روسيا لشبه جزيرة القرم ملاذاً آمناً لدعم قواتها على الخطوط الأمامية. (وإسقاط جسر مضيق كيرتش الذي يربط شبه جزيرة القرم بالبر الرئيسي الروسي، وهو صرح يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه، سيضيف زخماً سياسياً ونفسياً كبيراً لأوكرانيا).
ومضى الباحث يقول: إذا كفّت الحكومات الغربية عن إحباط كييف عن مهاجمة مصافي النفط البعيدة عن الخطوط الأمامية، فيمكن لمشغلي الطائرات الأوكرانية المسيرة أن يشرعوا في تهديد إمدادات الوقود لكل من السوق المحلية الروسية والعمليات العسكرية في أوكرانيا.
ولفت الباحث إلى أن خسارة المزيد من السفن في أسطول البحر الأسود سيضع موسكو في موقف دفاعي أكثر استماتة، ويزيد حتى من خطر تمرد القوات الروسية وأعمال الشغب بسبب التجنيد وإعادة النظر في العملية العسكرية برمتها داخل النخبة الروسية.

الجمود الديناميكي

وقال الكاتب: تُبرز هذه المجموعة الكبيرة من الاحتمالات، التي تتراوح بين مكاسب روسية كبيرة من جهة واستراتيجية أوكرانية أكثر صلابة من الجهة الأخرى، مدى سرعة تحوُّل الجمود الظاهري للحرب. وحتى المصطلح المعدَّل "الجمود الديناميكي" لا يرصد بالكامل النتائج المختلفة للغاية التي يمكن أن تتجلى لنا العام المقبل.
وقبل الذكرى الثالثة للحرب في فبراير (شباط) 2025، هناك احتمال حقيقي للغاية بأن يكون أحد الطرفين قد انتصر والآخر قد خسر، يحتاج صانعو السياسات الغربيون إلى التفكير في هذه النتائج المحتملة والتصرف بناءً عليها.