الرئيس الأمريكي جو بايدن
الرئيس الأمريكي جو بايدن
الجمعة 26 أبريل 2024 / 12:12

لماذا يتجاهل الغربيون دعوات التجنيد؟

تطرق الكاتب السياسي مالكولم كييونه إلى ما سماه صراعاً محرجاً في السياسة الغربية: من ناحية، يحذر القادة من أن أيام السلام قد ولّت، مؤكدين الحاجة الآن إلى الاستعداد لحرب جيلية شاملة، ولكن من من الواضح أنه لا أحد يهتم بهذه الدعوات.

"البروليتاريا الداخلية" ليست مصطلحاً ماركسياً


يكتب كييونه في موقع "أنهيرد" أن الجيوش الغربية تتقلص بسبب نقص المجندين، وتظهر استطلاعات الرأي عدم اهتمام كبيراً بالقتال من أجل الملك والدولة، والشباب بالتحديد غير متأثر على الإطلاق. حتى في أوكرانيا المحاصرة، يختار الشباب تجنب التجنيد والذهاب إلى النوادي.
تبدأ معظم "التحليلات" وتنتهي باستياء قليل من الانحلال الأخلاقي للشباب. لكن هذا لا يفسر الكثير. كانت هناك شكاوى لا حصر لها من الحالة المحزنة للشباب في أواخر القرن التاسع عشر، لكن ذلك لم يُترجم إلى افتقار مجتمعي للوطنية، وانعدام اهتمام بالدفاع عن الوطن.

دورة حياة الإمبراطوريات

ربما يكون النموذج الأكثر فائدة بحسب الكاتب هو النموذج الذي قدمه المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي، الذي رسمت أعماله خريطة لدورة حياة الإمبراطوريات البشرية. على وجه الخصوص، ثمة مفهوم واحد مثير للاهتمام هنا: فكرة البروليتاريا الداخلية، وهي مجموعة من الناس الذين يميلون إلى النمو عددياً، عندما تبدأ الإمبراطوريات بالركود والانحدار.

 

 


يشرح الكاتب أن "البروليتاريا الداخلية" ليست مصطلحاً ماركسياً، إذ أخذ كل من ماركس وتوينبي كلمة "بروليتاريا" من أصلها الروماني الذي كان يشير إلى أفقر طبقة من سكان المدن. يشير المصطلح إلى مجموعة من المواطنين الذين يعيشون داخل إمبراطورية، لكن ولأسباب بنيوية مختلفة، لم يعودوا يستفيدون منها، وبالتالي من غير المرجح أن يندفعوا للدفاع عنها. هذا ما حدث في روما على أي حال: عندما بدأت الإمبراطورية بالانهيار في الأوقات الصعبة وبدأ تراجع الاقتصاد القائم على الرق بترك آثاره، تسبب مزيج من الضرائب المرتفعة والنقص المؤلم في العمالة بجعل المواطنة الرومانية تبدو أكثر شبهاً بنير منه إلى امتياز. بمجرد وصول البرابرة، كان الكثيرون غير راغبين في إبداء الكثير من المقاومة، ولماذا سيرغبون بذلك؟

ما يحصل في أمريكا

أضاف كييونه أن كثيرين يعتقدون أن أمريكا تتجه نحو الإفلاس. العجز هائل والدين الوطني آخذ في الانفجار، وتحت كل هذا يكمن الرقم الذي لم يتم الإبلاغ عنه بالكامل لكن المذهل حقاً، وهو 175 مليار دولار. إنه ما تتوقع وزارة الخزانة الأمريكية أنها ستحتاج إليه لتمويل شبكة الأمان الاجتماعي فعلياً. وماذا تفعل الطبقة السياسية الأمريكية في مواجهة هذه الكارثة المالية التي تلوح في الأفق؟ هي تقترض الأموال حرفياً لإرسالها إلى أوكرانيا وإسرائيل، في خطوة يمكن اعتبارها، في عالم الشركات، تجريداً للأصول. لا شك في أن الناخبين الأمريكيين العاديين بدأوا يشعرون بما فعله الرومان الاستغلاليون: فالإمبراطورية لم تعد تخدمهم.

 


في السابق، كان من الممكن تبرير مثل هذه التدابير من خلال شعارات الحرية والديمقراطية، لكن هذا الخطاب لم يعد يتمتع بنفس التأثير. فالأمريكيون كالغربيين عموماً يرفضون القيام بـ"واجبهم" (القتالي) تجاه الحكام الذين يبدو أنهم تخلوا عن أي فكرة بمنحهم أي شيء في المقابل. إن القرون تأتي وتذهب، ولكن هذه الديناميات الاجتماعية الأساسية لا تزال صحيحة الآن كما كانت في العالم القديم: كلما أصبحت المواطنة أقل قيمة، قل استعداد الناس للوقوف والقتال من أجلها.

الحدث التالي ليس لغزاً

بحسب الكاتب، ما يجعل هذا الوضع مستعصياً على الحل اليوم هو أن النخب السياسية الغربية جعلت نفسها بشكل أو بآخر محصنة ضد العواقب السلبية الناجمة عن سياساتها. هي لا تعتذر عن الأخطاء، ولا تتحمل المسؤولية عنها. كان من المفترض مثلاً أن يتم تحقيق النصر في حرب أوكرانيا بسرعة، أما أولئك الذين حذروا من العواقب الاقتصادية السلبية المترتبة على فرض العقوبات فقد تعرضوا للسخرية والتهميش.

بعد مرور أكثر من عامين، بدأت هذه التدابير تنشر الأضرار بين الناس العاديين، ومع ذلك، لا يبدو أن هناك أي ندم على الإطلاق من جانب أولئك الذين أخطأوا في اتخاذها، بل مجرد المزيد من الدعوات الموجهة إلى عامة الناس للتضحية بالمزيد. وينطبق ذلك أيضاً بحسب كييونه على حرب العراق والأزمة المالية سنة 2008.
بالنظر إلى أن هذا تكرر كثيراً في السابق، فإن ما يحدث تالياً ليس لغزاً عظيماً: في مرحلة ما، ستظهر أزمة أخرى لن تتمكن النخب ببساطة من إدارتها بدون الدعم النشط من الأشخاص الذين تحكمهم، قبل أن تجد أن الدعم المذكور لا يصل.

من البركان إلى التسونامي

في مثل درامي آخر عن هذه الدينامية، صعد النائب والفيلسوف ألكسيس دو توكفيل إلى المنبر أوائل سنة 1848 لتحذير زملائه الفرنسيين من أنهم جميعاً "ينامون على بركان". حتى مع توقف النشاط الثوري الواضح، كانت الطريقة التي انتشرت بها المرارة وفقدان الثقة بالملك لويس فيليب الأول في المجتمع الفرنسي، برأي دو توكفيل، علامة على أن الأمور يمكن أن تنفجر في أي لحظة. بعد نصف عام، حدث ذلك، ليس فقط في فرنسا بل في معظم أنحاء أوروبا.
يشير الناجون من التسونامي إلى أنه قبل أن تضرب الموجة فعلياً، تتراجع المياه بشكل كبير وتنحسر عن الشاطئ. وعندما يحدث ذلك، لن يكون أمام المرء وقت طويل للهرب. بالنسبة إلى المجتمعات البشرية التي تدخل فترات من الفوضى، يظهر التاريخ دينامية مماثلة إلى حد ما، يختار عدد متزايد من المواطنين الانسحاب. يتوقفون عن الخدمة والاهتمام، يصبحون متجهمين وغير متعاونين وغير مهتمين بمساعدة المجتمع. وهذه ليست مشكلة أخلاق، ولا موقفاً يساعده لوم الشباب. بدلاً من ذلك، ختم الكاتب، إن انسحاب الناس، تماماً مثل انسحاب المياه عن الشاطئ، هو علامة على اقتراب تسونامي.