الجمعة 10 مايو 2024 / 11:44

ما دوافع وأبعاد زيارة الرئيس الصيني لفرنسا؟

احتفى المشهد السياسي الفرنسي بزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لباريس مؤخراً، بينما انتقد البعض الرئيس إيمانويل ماكرون لدعوته نظيره الصيني، ومبالغة الأليزيه في الاستقبال عبر إضفاء لمسة شخصية ترحيبية إلى جبال "البيرينيه"، وهي منطقة جبلية ساحرة حيث يمضي ماكرون إجازته.

وكانت الملفات السياسية الحاضر الأبرز من وراء الستار، خاصة الاعتقاد أو الأمل المتزايد بدور حاسم لبكين في إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية عبر استغلال علاقتها المميزة مع موسكو، وعلاقة شي جين بينغ الشخصية بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

الشق الدبلوماسي

والشق الدبلوماسي من الزيارة بحث امتناع بكين عن إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا، والتقارب بين الصين وروسيا، إضافة الى الخلافات بشأن جزيرة تايوان.

كذلك وعلى غرار فرنسا والاتحاد الأوروبي عموماً، تشعر الصين بالقلق أيضاً بشأن العودة المحتملة لدونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة في عام 2025 إثر انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) القادم.

فالرئيس السابق (وربما القادم) الذي هدد بالانسحاب من حلف الناتو وترك أوروبا وحيدة في مواجهة القيصر الروسي، هو أيضاً من فرض قيوداً صارمة للغاية على نقل التكنولوجيا الأكثر تطوراً، بما في ذلك أشباه الموصلات، إلى الصين، مما وجّه ضربة قاسية للتكنولوجيا الصينية المتقدمة.

عداء الولايات المتحدة

ومع الاعتراف باستحالة تحقيق التوازن في العلاقات الفرنسية مع كل من الولايات المتحدة والصين، ورفض ماكرون للاختيار بين واشنطن وبكين وإصراره على علاقات متوازية معها، يرى مراقبون ومحللون سياسيون فرنسيون أن بكين تترجم علاقاتها الدولية بشكل بسيط وفقاً لمبدأ "معاداة أمريكا" خاصة مع الخطر الأكبر الذي مثّله عليها دونالد ترامب المرشح الجمهوري القوي للعودة إلى البيت الأبيض من جديد.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي فيليب جيلي، أنه في مواجهة التهديدات الخارجية الهائلة التي يعكسها النفوذ الصيني سياسياً واقتصادياً، بدأت أوروبا في الاستيقاظ للتو. واللافت أن شي جين بينغ هو الذي اختار فرنسا للعودة إلى أوروبا بعد سنوات طويلة. واصفاً ذلك بأنه أكثر من مجرّد زيارة شرفية، ويجب أن ينظر إليه على أنه تحدّ يتناسب مع الاضطرابات في الوقت الحاضر.

ويقول جيلي إن الرئيس الصيني "صاحب النفوذ مدى الحياة" يعلن عن صداقته علناً عبر رسالة في الصحافة الفرنسية، لكنه جاء قبل كل شيء للدفاع عن مصالح استراتيجية ذاتية هائلة، دون التفكير في التخلي عن مسارها. فالعلاقات الصينية-الأمريكية، سواء الجيوسياسية أو التجارية، أصبحت متوترة على نحو متزايد، والارتباط مع روسيا يزداد قوة.

ومع تباطؤ الاقتصاد الصيني بشكل خطير، فإن بكين تحتاج إلى استمرار السوق الأوروبية لجني ثمار العولمة.

التوسط لدى موسكو والتخلّي عنها!

من جهته، تحدث كبير محرري الشؤون الخارجية في صحيفة "لو فيغارو" رينو جيرار، عمّا سماه "فائدة الحوار مع الصين"، معتبراً أن ماكرون كان محقاً في اعتقاده أن الحوار مع بكين مفيد لفرنسا، وفي اعتقاده كذلك أن شي جين بينغ، "الذي لديه كل الفرص للبقاء على رأس السلطة في بكين لفترة طويلة"، هو الشخص الوحيد القادر على التفكير مع الرئيس الروسي لوضع حدّ للحرب في أوكرانيا.

بالمقابل، يتهم المنتقدون للزيارة في فرنسا وأوروبا ماكرون بأنه "ساذج" فيما يتعلق بـ "الديكتاتورية الشيوعية". لكن الرئيس الفرنسي، حسب جيرار، يعرف جيداً تاريخ وطبيعة النظام الصيني الحالي، وهو يفهم أيضاً التحديات التي يفرضها الإغراق التجاري الصيني، بالإضافة إلى توسع بكين على صعيد النفوذ السياسي في الشرق الأوسط وأفريقيا.

من جهتهم تحدّث كل من المحللين السياسيين هارولد تيبولت وفيليب ريكارد عن دعم الصين الحاسم لروسيا في الحرب في أوكرانيا، وهو ما جاء في قلب المناقشات الفرنسية الصينية، حيث سمحت بكين لشركاتها بدعم موسكو في صناعة الأسلحة عبر معاملات تجارية مناسبة والحصول بالتالي على تفوق ملحوظ في الصراع.

وتساءل الكاتبان في "لو موند" عن إمكانية إثناء الصين عن مساعدة روسيا بشكل أكبر؟ والضغط على بعض الشركات الصينية التي يمكن لها أن تُشارك بشكل مباشر أو تساهم بشكل كبير في المجهود الحربي الروسي.

والأكثر من مجرد الإمداد المباشر بالأسلحة، وهو الخط الأحمر الذي يبدو أن الصين تحرص حتى الآن على عدم تجاوزه، فإن تسليم المعدات والمكونات اللازمة لإنتاج هذه الأسلحة هو الذي يشكّل محور الاهتمام بالنسبة لأوروبا.

استراتيجية الصين وروسيا

وفي هذه النقطة، تدفع واشنطن العواصم الأوروبية لتكون أكثر مباشرة في التعامل مع بكين. وذلك باعتبار أن علاقة الشركات الصينية مع قطاع الأسلحة الروسي ليست حوادث معزولة، بل هي خطة استراتيجية شاملة تنفذها الصين مع روسيا لمساعدتها على إعادة بناء قدراتها العسكرية.

الاقتصاد كسلاح

بالمقابل قللت الخبيرة في الشؤون الصينية فاليري نيكيه، الباحثة وعالمة السياسة في مؤسسة البحوث الاستراتيجية بباريس، من أهمية الزيارة واصفة إياها بالبروتوكولية، مشيرة إلى أن ذلك جاء بعد أسابيع قليلة من زيارة لبكين قام بها أولاف شولتس، مستشار ألمانيا الذي يظل، على الرغم من الصعوبات التي يواجهها، صاحب الثقل الاقتصادي في أوروبا والشريك التجاري الأول لجمهورية الصين الشعبية داخل الاتحاد الأوروبي.

كما يطالب الباحث في معهد مونتين جوزيف ديلات، بسياسة صناعية أوروبية في مواجهة استراتيجية الغزو التي تتبناها الصين في عهد شي جين بينغ. وبرأيه فإن هذا النوع من الاستراتيجية المنسقة، التي تستهدف المصالح الجيواقتصادية طويلة المدى للدول، يكشف عن الطموح الصيني: استخدام مواردها وإمكاناتها كسلاح اقتصادي وجيوسياسي لتبقى ضرورية في قطاع تقنيات إزالة الكربون في المستقبل.