الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون (رويترز)
الخميس 16 مايو 2024 / 09:53

روسيا تقوّض العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية.. من يراقب كيم؟

تعد دولة كوريا الشمالية، بين أبرز الأهداف الدائمة للعقوبات الغربية منذ وقت طويل، لكن تحركاً روسياً في مجلس الأمن، أثار التساؤلات بشأن إمكانية فرض قيود دولية على بيونغ يانع.

يتحدث الكاتب كريستيان ديفيز في تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" عن أن الفيتو الروسي المعارض لتمديد تفويض لجنة رقابية دولية في كوريا الشمالية، يترك الغرب دون وسيلة لفرض قيود دولية على بيونغ يانغ.

وتحاول الدول الغربية استبدال هيئة تابعة للأمم المتحدة تراقب الالتزام بالعقوبات الدولية على كوريا الشمالية، بعد أن تم حلها في وقت سابق من هذا الشهر في ضربة للجهود العالمية لمنع الانتشار النووي.

قصة اللجنة الدولية

تم تعيين لجنة الخبراء المكونة من ثمانية أعضاء لأول مرة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بان كي مون في عام 2009 لتوثيق انتهاكات العقوبات لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أثناء سعيها لإقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن أسلحتها النووية غير المشروعة وبرامج تطوير الصواريخ الباليستية.

لكن التوترات المتصاعدة بين الدول الغربية وحليفتي كوريا الشمالية روسيا والصين بشأن العقوبات، التي لا يمكن رفعها إلا بدعم إجماعي من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وصلت إلى ذروتها في مارس (آذار) عندما منعت موسكو تمديد تفويض اللجنة.
وانتهى هذا التفويض في 30 أبريل (نيسان)، مما أدى إلى حل الهيئة وعرقلة الجهود الدولية طويلة الأمد لتقييد حصول بيونغ يانغ على التمويل الأجنبي والطاقة والتكنولوجيات.

وقالت مايا أونغار، محللة شؤون الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية: "تظل العقوبات سارية على الورق، لكن حق النقض الذي استخدمته روسيا يزيل المصدر الوحيد المحايد للمعلومات في مجلس الأمن الدولي حول من ينتهك العقوبات وكيف ينتهكها".

وفرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عقوبات على كوريا الشمالية للمرة الأولى في أكتوبر(تشرين الأول) 2006، في أعقاب أول تجربة نووية أجرتها البلاد.

وشددت الهيئة القيود على بيونغ يانغ ثماني مرات أخرى خلال العقد التالي.

ولكن مع تدهور العلاقات بين الغرب وروسيا والصين بشكل حاد في السنوات الأخيرة، تزايدت انتقادات موسكو وبكين للعقوبات.
تعاون واسع

وفي شهر مارس (آذار)، ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" أن روسيا بدأت في تقديم إمدادات واسعة النطاق من النفط والمنتجات النفطية إلى كوريا الشمالية، في مقابل واضح للصواريخ الباليستية وملايين قذائف المدفعية التي زودتها بيونغ يانغ لموسكو لحربها في أوكرانيا.

وقال إريك بنتون-فواك، المسؤول البريطاني السابق الذي عمل منسقاً للجنة بين عامي 2021 و2023: "على الرغم من التوقيع على العقوبات، لم تدعم روسيا مطلقاً عمل اللجنة بأي طريقة ذات معنى".

ويضيف "ولكن مع تداول الأسلحة واستيراد النفط الروسي إلى كوريا الشمالية - كل ذلك واضح من صور الأقمار الصناعية - كان من الممكن أن يصبح وجود اللجنة مزعجاً بشكل متزايد، لذلك استغنت موسكو عنها".

وبعد انتهاء ولاية اللجنة، ألقت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد بياناً نيابة عن 50 دولة أكدت فيه على الحاجة إلى جهود المراقبة المستمرة.

وأضافت "علينا الآن أن نفكر في كيفية الاستمرار في الوصول إلى هذا النوع من التحليل الموضوعي والمستقل من أجل معالجة تطوير أسلحة الدمار الشامل والصواريخ الباليستية غير المشروعة لدى كوريا الشمالية".

وفي تعليق صدر بعد الفيتو الروسي، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن اللجنة أصبحت "أداة مطيعة لمنافسي (كوريا الشمالية) الجيوسياسيين".

مراقب جديد

وقال أونغار إن أحد البدائل التي تدرسها الدول الغربية هو إنشاء مراقب جديد تحت رعاية الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي لن يكون، على عكس مجلس الأمن، عرضة للفيتو الروسي أو الصيني.

وأضافت "لكنه سيثير أسئلة قانونية ومسائل مالية صعبة، في حين أن الكثير من أعضاء الجمعية العامة داخل وخارج آسيا يفضلون تجنب الدخول في معركة تشمل الولايات المتحدة والصين".

أشار المحللون إلى أن أي هيئة جديدة ستواجه معارضة من بكين، التي أغضبتها المراقبة العسكرية الغربية للتجارة المنقولة بحراً مع كوريا الشمالية بالقرب من المجال الجوي الصيني.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أسقطت طائرة مقاتلة صينية قنابل مضيئة أمام مروحية أسترالية كانت تقوم بدورية في البحر الأصفر لفرض عقوبات الأمم المتحدة. واتهمت بكين كانبيرا باستخدام العقوبات كذريعة للتجسس على التدريبات البحرية الصينية.
وقال هيو غريفيث، خبير العقوبات الذي عمل كمنسق للجنة بين عامي 2014 و2019، إن آلية المراقبة "سيتم تحسينها بشكل كبير" من خلال العمل خارج الأمم المتحدة تماماً.

وقال غريفيث: "يمكن تزويد اللجنة الجديدة بموارد وتجهيزات أفضل، وتتكون من محققين محترفين بدلاً من الدبلوماسيين والأكاديميين"، على الرغم من اعترافه بأن سلطة مثل هذه الهيئة يمكن أن تتأثر دون موافقة الأمم المتحدة.

وأشار إلى أن التحقيقات والضغوط التي أجراها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أقنعت دولاً من بينها ناميبيا وموزمبيق ومصر بالتخلي عن التعاون مع كوريا الشمالية في الماضي.

"جرائم عالمية"

ويكمل "قد تكون بعض البلدان في الجنوب العالمي، وخاصة في أفريقيا، أقل رغبة في التعاون مع هيئة لا تحمل ختم الأمم المتحدة، وهذا يمكن أن يمنح كوريا الشمالية فرصة لتوسيع عمليات تمويل الجرائم العالمية الخاصة بها".

وأضاف غريفيث أنه على الرغم من القيود المفروضة على اللجنة، فقد حققت بعض النجاح في نشر الوعي بين القطاع الخاص حول مخاطر الارتباط بالتجارة والتمويل في كوريا الشمالية.

وتابع غريفيث "إن تفاعلاتنا غير المعلنة مع البنوك وتجار السلع العالميين وشركات التأمين وخطوط شحن الحاويات والخدمات اللوجستية ومشغلي الطرود السريعة أدت إلى تغييرات مهمة في الامتثال".

ويرى بعض المحللين أنه في ظل نظام العقوبات الذي أصبح في حالة يرثى لها بالفعل، يتعين على الدول الغربية إعادة النظر في الاستراتيجية التي فشلت في وقف برنامج الأسلحة النووية لبيونغ يانغ.

وقال بينتون فواك إن الدول الغربية بحاجة إلى توضيح مبررات منطقية للإبقاء على العقوبات، لكنه أضاف "لم يكن هذا فشلاً للعقوبات نفسها، بل فشل روسيا والصين في تنفيذ الإجراءات التي صوتتا لصالحها".

واختتم بينتون "هل هم عقابيون؟ هل تهدف هذه التدابير إلى منع انتشار القدرات النووية لكوريا الشمالية؟ أم أنهم يرسلون إشارة تحذير للآخرين الذين قد يتبعون نفس المسار؟".