الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
الأحد 19 مايو 2024 / 09:17

"نقطة تحول" تعزز الآلة الحربية الروسية في حرب أوكرانيا

قال مراسل الشؤون الدفاعية جيك إبستين إن روسيا احتاجت أكثر من عامين من الحرب الوحشية، وتضرر آلاف المركبات المدرعة ونحو 450 ألف ضحية وعشرات المليارات من الدولارات، كي تبدأ بأخذ حربها على محمل الجد.

تبدو روسيا أخيراً ملتزمة بطموحاتها في أوكرانيا


وكتب في موقع "بيزنس إنسايدر" أن جزءاً كبيراً من الحرب في أوكرانيا سار بشكل سيئ بالنسبة لروسيا. فعدد القتلى وحده – بحسب العديد من التقديرات أكثر من 50 ألف جندي – هو رقم مذهل. لكن الآلة الحربية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين تبدو مختلفة تماماً اليوم عما كانت عليه في بداية النزاع.

يتحسنون كل يوم

قام بوتين مؤخراً بتعيين خبير اقتصادي وزيراً للدفاع، من أجل تعزيز الإنتاج الشامل للأسلحة، وبخاصة القوة النارية. وصدت موسكو الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا في الصيف الماضي بدفاع قوي، بينما أعادت بناء المخزونات والانتقال إلى اقتصاد الحرب.
لقد استغلت موسكو بشكل فعال النقائص المادية والبشرية والصناعية، التي تعاني منها أوكرانيا، خلال فصل الربيع، وبخاصة مع تعثر شركاء كييف الغربيين، وهي الآن تمهد الساحة لما يمكن أن يكون هجوماً كبيراً متعدد الجوانب هذا الصيف، كما أوجدت قواتها تكتيكات ونسخت أخرى لدفع أوكرانيا إلى الوراء.

 


تبدو روسيا أخيراً ملتزمة بطموحاتها في أوكرانيا، وكما يخشى البعض، في ما وراءها. يأتي ذلك حتى في الوقت الذي تتم إعادة تحميل مخزونات الأسلحة الأوكرانية بعدما أقر المشرعون الأمريكيون صفقة مساعدات كبيرة لأوكرانيا.
في حديث للموقع نفسه، قال محلل الشؤون الروسية وقائد فريق الاستخبارات الجيو-فضائية في معهد دراسة الحرب جورج باروس: "لا يزال الروس خطرين وهم يتعلمون. إنهم يتحسنون كل يوم".

أجراس الإنذار

وجدت روسيا نجاحاً في استخدام مجموعة متطورة من الخطوط الدفاعية لمنع الهجوم المضاد، الذي شنته أوكرانيا عام 2023 من تحقيق تقدم ملحوظ. انتهت الجهود المتوقعة بالفشل مع عجز كييف عن تحرير جزء كبير من الأراضي، حتى مع تدفق المركبات القتالية المدرعة من الغرب.
وفي الأشهر التي تلت ذلك، استغلت روسيا توقف الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا، التي أمضت معظم فصلي الشتاء والربيع منقوصة التسليح ومفتقرة إلى الذخائر المهمة للدفاع عن نفسها، كما فشلت أوكرانيا بشكل ملحوظ في بناء تحصيناتها الدفاعية بشكل مناسب حتى اللحظة الأخيرة. استغلت موسكو هذه المشاكل لتحقيق مكاسب في الشرق، وللاستعداد لهجمات مستقبلية.
كانت أجراس الإنذار تدق في الغرب خلال الأسابيع الأخيرة. وقدرت الاستخبارات الأمريكية في مارس (آذار) الماضي أنه بالرغم من الأضرار الجسيمة التي لحقت بروسيا في أوكرانيا، أدى الجمود في ساحة المعركة إلى تحويل الزخم لمصلحة موسكو، وفي الشهر التالي، قال مسؤول أمريكي كبير ثم جنرال أمريكي إن الجيش الروسي "أعيد تشكيله بالكامل تقريباً"، وإنه "نما مرة أخرى" إلى قوته التي كان عليها قبل الحرب.
وقال القائد الأعلى لحلف شمال الأطلسي في أوروبا ورئيس القيادة الأمريكية في أوروبا الجنرال كريس كافولي للكونغرس في أبريل (نيسان): "كانت لديهم بعض الثغرات التي أحدثتها هذه الحرب، لكن قدراتهم الإجمالية لا تزال مهمة للغاية. وهم يعتزمون جعلها ترتفع".


نقطة تحول


منذ ذلك الحين تم استعراض هذه النوايا بشكل كامل. في خطوة مفاجئة إلى حد ما يوم الأحد، رشح بوتين أندريه بيلوسوف، وهو خبير اقتصادي مدني دون خلفية عسكرية، ليحل محل وزير دفاعه منذ فترة طويلة سيرغي شويغو الذي واجه انتقادات مدوية بسبب عدم كفاءة روسيا في أوكرانيا.

 


وقال باروس إن التعديل الأخير في القيادة العسكرية يشير إلى نية بوتين وضع روسيا في "حالة حرب اقتصادية على النمط السوفيتي" لزيادة إنتاج القاعدة الصناعية الدفاعية في البلاد.
وأضاف أن هذا لا يهدف فقط إلى تلبية احتياجات موسكو المباشرة في أوكرانيا. إنه أيضاً من أجل "تجديد القوة على المدى الطويل"، حيث يوجد سيناريو تتجاوز فيه روسيا حدود أوكرانيا، وتتطلع إلى استخدام القوة ضد الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي.
تم تعيين بيلوسوف بشكل أساسي، وهو الموصوف بأنه "تكنوقراطي كفؤ وعملي"، لمراجعة حسابات وزارة الدفاع الروسية المليئة بالفساد والتأكد من أن أموال الضرائب في البلاد تذهب فعلياً إلى شراء الأسلحة والمعدات، التي من شأنها أن تساعد في حل هذه المشكلة. وقال باروس إن ذلك سيسمح لموسكو بشن حرب أكثر نجاحاً في أوكرانيا، وهو الأمر الذي عانى منه الكرملين في السابق.
وقال باروس: "هذه نقطة تحول مهمة في الجهود الروسية للتعامل مع (العملية العسكرية الخاصة)، باعتبارها حرباً حقيقية، والتعامل بجدية مع الجهود الاستراتيجية الطويلة المدى".


القنابل الانزلاقية


أضاف الكاتب في تقريره أن القاعدة الصناعية الدفاعية الروسية ــ بمساعدة بعض الشركاء الرئيسيين ــ بدأت تتوسع. على سبيل المثال، أعلنت وزارة الدفاع الروسية في مارس (آذار) أنها ستزيد إنتاج عدد من أنواع الذخائر، بما فيها قنابل فاب-500 بزنة نصف طن، وقنابل فاب-1500 بزنة طن ونصف وقنابل فاب-3000 بزنة 3 أطنان وهو تطور مثير للقلق بالنسبة إلى أوكرانيا.
من الممكن تحويل هذه الذخائر إلى قنابل انزلاقية، وهي أسلحة مواجهة يمكن إطلاقها من مسافة بعيدة، وبالتالي هي تقلل تعرض الطائرات الروسية للدفاعات الجوية الأوكرانية. ولا يمكن اعتراض هذه الأسلحة شديدة التدمير بشكل فعال، وهي تضرب خنادق أوكرانيا وخطوطها الدفاعية. قال باروس إن استخدام القنابل الانزلاقية لدعم المناورات الأرضية هو المثال الأساسي لكيفية تعلم الجيش الروسي بنجاح من عيوبه السابقة.
إنه تكتيك لم يشهد توظيفاً واسع النطاق حتى نهاية 2023، لكنه تكتيك اعتمدت عليه موسكو بشكل كبير في وقت سابق من هذه السنة للاستيلاء على مدينة أفديفكا الشرقية، وتكرره حالياً خلال هجومها الجديد في منطقة خاركيف.
منذ إطلاق هجوم جديد في منطقة خاركيف الأسبوع الماضي، استخدمت روسيا ضربات بالقنابل الانزلاقية لتمكينها من المناورة البرية من أجل الاستيلاء على الأراضي وإنشاء ما تدعي أنها منطقة عازلة على طول الحدود مع أوكرانيا. لكن قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها تضررت بشدة بسبب القيود الأمريكية على ضرب أهداف عسكرية داخل روسيا، بحسب ما كتب محللون في معهد دراسات الحرب هذا الأسبوع. وأضافوا أن هذا ولّد فعلياً ملاذاً يمكّن الطائرات الروسية من إلقاء قنابل انزلاقية على المواقع الأوكرانية وحيث يمكن لقوات موسكو التجمع قبل العمليات القتالية.


عواقب النهج الأمريكي


حاول المسؤولون الأوكرانيون دفع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إعادة التفكير في موقفها، لكن واشنطن ظلت ثابتة في رأيها. ومع تقدمها الجديد في خاركيف، يبدو أن روسيا الآن تمهد الطريق لما يمكن أن يكون هجوماً صيفياً متعدد المحاور قد يضغط على الجيش الأوكراني، الذي لا يزال مستنفداً للمواد الحيوية والقوى البشرية.
وقال مسؤولون أوكرانيون وغربيون، فضلاً عن خبراء حرب، إن تعليق المساعدات العسكرية الأمريكية الإضافية لأوكرانيا لمدة أشهر وضع البلاد في الموقف الصعب الذي تجد نفسها فيه حالياً. وتواجه كييف أيضاً مشاكل تتعلق بالروح المعنوية والتجنيد لم تكن موجودة قبل عام، عندما كان الكثيرون متفائلين إلى حد ما قبل الهجوم المضاد في الصيف.
وقال باروس: "سيكون الأوكرانيون في وضع صعب خلال الأشهر المقبلة". وأوضح أن نمط الدعم الأمريكي لأوكرانيا والقاضي بزيادة واشنطن مساعدتها في اللحظة الأخيرة عندما يصبح الوضع سيئاً، "ليس نهجاً مستداماً. وما نراه الآن هو عواقب هذا النهج تجاه أوكرانيا".


روسيا أخطر.. هل من أمل لأوكرانيا؟


في الشهر الماضي، وبعد عودته من أوكرانيا، كتب اللواء والاستراتيجي الأسترالي المتقاعد ميك رايان أن روسيا تجاوزت بوضوح "صدمة إخفاقاتها المبكرة" ويبدو أنها قادرة على "إخضاع أوكرانيا بطريقة لم تكن قادرة عليها عندما بدأت غزوها واسع النطاق في فبراير (شباط) 2022". وأضاف "أصبحت روسيا الآن خصماً أخطر مما كانت عليه قبل عامين".
وقال الباحث الكبير في المعهد الملكي للخدمات المتحدة جاك واتلينغ إن روسيا تستغل تفوقها العددي وتوسع تمدد القوات الأوكرانية عبر خط أمامي واسع. وحذر من أن كييف بحاجة ماسة إلى المزيد من القوات والذخيرة وصواريخ الدفاع الجوي الاعتراضية إذا كانت تأمل في تحدي تقدم موسكو، مشيراً إلى أن "التوقعات في أوكرانيا قاتمة".
لكن كما قال واتلينغ في تحليل جديد هذا الأسبوع: "إذا شارك حلفاء أوكرانيا الآن في تجديد مخزونات الذخيرة الأوكرانية والمساعدة في إنشاء خط تدريب قوي مستدام والقيام بالاستثمارات الصناعية لدعم الجهود، فمن الممكن عندئذ إضعاف الهجوم الروسي الصيفي، وستحصل أوكرانيا على المساحة التي تحتاجها للتنفس من أجل استعادة زمام المبادرة".