الثلاثاء 10 يونيو 2014 / 15:51

كم المسافة بين مشاري وخان؟




لوسائل التواصل الاجتماعي سحرها العجيب، وتأثيرها العميق الذي قد يدفع بعض الناس إلى التسرع في نشر تعليق ساخر، أو نكتة طريفة، أو نشر مقاطع من الفيديو دون التفكير في آثاره النفسية والاجتماعية على الآخرين أو على الذي ظهر في الفيديو، وتأثيره الآن أو في المستقبل. فكيف إذا كان الفيديو مثلاً يتعلق بالأطفال، ولو كانوا أولادنا؟ إن الأمر يستحق التوقف كثيرا قبل نشر أي فيديو.

أكتب هذا بعد مشاهدتي لفيديو الطفلة الخليجية تحت عنوان" كل البنات تزوجن إلا أنا" مما دفع بعض الناس لنشره عبر البلاك بيري والواتس وغيرهما تحت عنوان "زوجوها مشاري" مع رابط الفيديو، والذي نشر في الخامس من هذا الشهر، واقترب عدد المشاهدات إلى ثلاثة ملايين مشاهدة، وهو رقم كبير جداً تحقق خلال أيام معدودة.

وتظهر الطفلة وفي الخلفية يجلس أطفال صغار يستمعون للحوار المصور، ويبدو من صوت المحاورة أنها قريبة للطفلة، والصوت الآخر ربما كان أم الطفلة، التي هي في العاشرة من عمرها، وهي تصر على الزواج من مشاري، وتجيب على سؤال قريبتها عن سبب اختيار مشاري، فتقول إنه سنافي حسب تعبيرها أي شهم، وأن والدها موافق على الزواج، الذي ستدفع تكاليفه هذه الطفلة من حصالتها! وتبكي بشدة، لأنها لا تستطيع الانتظار، وتريد أن تتزوج بسرعة، في حين أن قريبتها تطلب منها إكمال الدراسة أولاً.

هو موقف طريف بلا شك، وفيه عفوية الأطفال، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل من حق أم الطفلة أو قريبتها نشر هذا الفيديو على يوتيوب؟ أليس في هذا النشر سخرية من الطفلة ومن طريقة تفكيرها؟ وأي خصوصية ستبقى لهذه الطفلة بعد أن انتهكت بهذه الصورة؟ ألن يسخر منها أهلها وأصدقاؤها وصديقاتها في المدرسة؟ وكيف سينظر لها الأساتذة والمعلمات والجيران؟ ألن تنال نصيباً من تعليقاتهم الساخرة والمستهزئة أو المستهجنة؟

وبعد هذا كله أين حدود الجد والمزاح؟ وأين الحد الفاصل بين الحياة الشخصية وما يجوز نشره لعامة الناس؟ ولماذا يجعل بعض الناس حياتهم مشاعة وتفاصيلها متاحة للجميع دون انتقاء أو تمييز؟

وهذا لا يحدث في العالم العربي فحسب، لكن في معظم دول العالم، فهناك أمريكية نشرت مقطعاً لطفلها تسخر منه في هيئة مقلب، ووصل عدد مشاهدات الفيديو إلى عشرين مليون مشاهدة!

وهو خطأ تربوي تقع فيه بعض الأمهات. ومن ثم لابد أن يكون لدى كل عائلة اتفاق وضوابط تحكم علاقتهم بالشبكة العنكبوتية وبمواقع التواصل الاجتماعي، مثل تحديد طبيعة الصور التي تنشر للعائلة أو نوعية المعلومات المسموح بنشرها، كي لا يكتب الطفل أو المراهق شيئا يسيء لأهله أو لنفسه في المستقبل، مثل الطالب الأمريكي الذي نشر صورة غير لائقة لنفسه قبل سنوات، وحذف حسابه الشخصي، لكن أحد المختصين في اللجان اكتشفها، وهو يبحث في ملفات المرشحين، لتكون سبباً في رفض قبوله في إحدى الجامعات العريقة.

لماذا لا تحاول الأسر أن تنشر مواهب أطفالها على الشبكة العنكبوتية، لتحفيزه ويفتخر بها دوماً، بدلاً من نشر المواقف المضحكة؟ وقد يكون نشر المواهب دافعاً للشاب أو الفتاة مستقبلاً لتطوير موهبته، وليس أدل على ذلك من سلمان خان الشاب البنغالي الأصل، والمقيم في أمريكا، الذي اختارته مجلة تايم الأمريكية ضمن أهم 100 شخصية عالمية، ووصفه بيل غيتس بالذكي. لقد بدأ خان من مفكرة دودل بياهو، ليعلم أقاربه الرياضيات، ليصل بحلمه إلى إنشاء أكاديمية تعلم الناس مجانا الرياضيات من خلال سلسلة من مقاطع الفيديو على يوتيوب. هو مثال واحد، ولاشك أن هناك الكثير من التجارب العربية وغير العربية نجحت أيضاً، لكن أي طريق نختار طريق طفلة المعجبة بمشاري أم خان؟