الأحد 19 أغسطس 2018 / 10:40

عشرات آلاف الأفارقة يحتفلون بـ"إلهة الماء"

كما درجت العادة منذ 32 عاماً، انضمت الكاهنة أوسونديلي أوكوغبيسان إلى الحشود الكبيرة عند الغابة والنهر المقدسين في أوسوغبو، في جنوب غرب نيجيريا، لتكريم "أوسون" إلهة الخصوبة والماء لدى إتنية يوروبا.

وتقول الكاهنة "لباسي اليوم يمثل النهر"، مشيرة إلى ثوبها الأبيض الفضفاض وقلاداتها الطويلة من اللؤلؤ.

وخاطت نساء أخريات يرافقنها أصدافاً على أثوابهن المطرزة أو دققن أوشاماً لأسماك على أجسامهن، وهن يتحضرن لهذا اليوم السنوي الكبير الذي يرتدي أهمية كبيرة لدى أفراد إتنية يوروبا التي ظهرت قبل قرون طويلة في غرب أفريقيا، وينتسب إليها حالياً نحو 40 مليون شخص يعيشون بغالبيتهم في نيجيريا.

وتوضح هذه الأم البالغة حوالى خمسين عاماً مصافحة ابنتها الصغيرة "القرار بأن تصبح كاهنا أو كاهنة لأوسون لا يعود لك".

وتقول "أترين يا ابنتي، الروح هي التي اختارتها. هي أيضا ستصبح يوماً ما من كبار كهنة أوسون"، قبل التوجه للمذبح المقدس قرب القصر الملكي لتحضير التقدمات والأضاحي للإلهة الكبيرة بما يشمل مسحوقاً أمغر ودجاجات مذبوحة ورقائق بطاطس ومشروبات.

وخلال هذه الاحتفالات، تدق الطبول وتطلق بنادق قديمة نيرانها في الهواء ليُسمع صوتها في أرجاء مدينة أوسوغبو الكبيرة، وتأخذ الحشود في الاتساع مع توافد عشرات آلاف المشاركين الذين يتنقلون بين المنازل الصفراء المتداعية المشيدة من العبيد السابقين العائدين من البرازيل وجزر الأنتيل.

"أضاح وذبائح"

ويرافق المشاركون العذراء أروغبا بوجهها المغطى بقماش سميك مطرز وصولاً إلى النهر حيث تعيش روح إلهة الماء هذه ،وهي زوجة "سوغو" إله النار والبرق.

وكان يُضحّى بالفتيات في الماضي لجلب الازدهار والخصوبة لأبناء هذه الاتنية، غير أن دورهن حالياً بات يقتصر على وضع التقدمات والدجاج المذبوح في النهر المقدس.

وعلى ضفة النهر تحت ظلال الأشجار المعمّرة في الغابة المقدسة المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ 2005، تقرأ امرأة الطالع في جوز الكولا فيما يأتي مئات آخرون لجمع المياه في عبوات من البلاستيك.

وتبدو هذه الصور من قرون غابرة لولا الإعلانات المنتشرة لشركات اتصالات كبيرة أو لمشروبات والتي تعيد إلى واقع العالم الرأسمالي في القرن الحادي والعشرين.

وقد صمدت معتقدات إتنية يوروبا بما فيها احتفالات تكريم الإلهة أوسون على مدن قرون في وجه تدفق المسلمين الجهاديين الآتين من الساحل أو الإرساليات المسيحية البرتغالية والإنكليزية وحملات التبشير الحديثة من الكهنة الإنجيليين، ويؤمن أفراد هذه الإتنية بقدرات خارقة لهذه الإلهة خصوصاً لمساعدة النساء على الحمل.

طرق متعددة للإيمان
وكتب الباحثان ساسكيا كوزان وجان لوك مارتينو في مجلة "دفاتر الدراسات الإفريقية" أن "الديانة التقليدية لم تمت في وجه الديانات المعاصرة بفعل تجذرها العميق لدى أبناء إتنية يوروبا".

وتقول الموظفة في متحف أوسوغبو، أيوديلي فولاسادي "أنا مسيحية ومسلمة ومؤمنة بالديانات التقليدية"، مضيفة "أؤدي الصلوات الإسلامية الخمس وأشارك الأحد في القداس لكني أقصد أيضاً النهر للتحدث إلى أوسون مرات عدة في الشهر".

وتوضح "في ثقافة يوروبا يقال إنه في حال لم يستجب أي إله لصلاتك فجرب حظك مع إله آخر"، وتتابع أيوديلي: "الكهنة أو الأئمة ينهون عن الإيمان بآلهة عدة، لكن جميعنا تقريباً عند الحاجة نصلي للإلهة أوسون في الخفاء".

أما أوميتولا باباوشا فلا يؤمن بآلهة الأديان التقليدية وهو لا يخفي ذلك خلافا لأكثرية المنتمين الآخرين لإتنية يوروبا، وهو يقول "أنا فخور جدا بإرثي ولا أبالي بما قد يقوله الآخرون عني".

ويضيف باباوشا شابكاً يده بيد زوجته خلال السير مع الحشود "يمكننا الإيمان بأي إله واتباع أي معتقد، لكن في نهاية المطاف جميعنا بحاجة للماء كي نعيش. جميعنا أبناء أوسون".

ويلفت إلى أن "التوجه للنهر للاحتفال بها يرمي خصوصاً لشكر الطبيعة على خلقها".