الأحد 14 أبريل 2013 / 17:56

ذلك الجار القاتل

أبدأ مقالي هذه المرة باعتراف، هو أني مقصر في أدائي للصلوات الخمس بالمساجد بشكل مستمر، ولن أسرد الحجج وأنزف من حبر قلمي لكي أقنع القارئ بأني معذور لعدم تواجدي بجميع الصلوات جماعة بالمسجد يومياً، ومقالتي هنا ليست عن حالتي الشخصية، بل سأضع "أنفي" في موضع يخص عامة المصلين جميعاً.

للأسف، قررت أن أكتب ما أكتبه الآن في الركعة الثانية لإحدى صلوات الفرض التي حضرتها جماعة بالمسجد، وجاءت هذه الفكرة بعد أن نفد صبري وتحملي مما عانيت أثناء وقوفي بجانب المصلين، ففي بادئ الأمر توضأت ودخلت المسجد للحاق بالركعة الأولى، وهذا المسجد كغيره من المساجد بالعاصمة، يلقى ما يلقى من الرعاية والاهتمام من الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، المياه متوافرة، الصابون موجود، الإضاءة وأثاث المسجد لا غبار عليها، والنظافة "عال العال"، ولا ينقص المسجد أي شيء على الإطلاق.

كنت على موعد مع ربي، ومن واجبي، بل فرض علي أن أحترم دخولي "بيت الله"، وأحترم كل من فيه، بدءاً من الإمام، وحتى الأطفال المرافقين لذويهم، فأخذت مكاني عند حافة المصلين، وصرت خلية من خلايا الصف الثالث، وثم "الله أكبر"، تلك اللحظة التي يجب على كل مصل أن يقف متأملاً في صلاته، ويسرح بذهنه إلى نعم الله تعالى عليه، ويفهم ويعي كلمات الله التي يتلوها الإمام بكل خشوع.

مهلاً! هل تعلمون أن هذا لا يحدث لي غالباً؟ ولا تفلح محاولاتي المضنية في إبعاد ما يكدر صفو صلاتي، لأن ما يؤذيني واقف جنبي بكل بساطة.

هذا الإنسان الذي يقف بكل ثقة إلى يميني أو شمالي، لا يمت "للاستحمام" بصلة، وقد دخل بيت الله، خالقه وخالق الكون، بكل ما يحمله من روائح ومشتتات للفكر والعقل، وبملابس البيت الذي يفوح منه رائحة الطعام والمطبخ لثلاثة أيام على أقل تقدير، يقف ملاصقاً كتفي ويصلي!

لم أستسلم في الركعة الأولى، وجاهدت في صلاتي وتحملت كتم أنفاسي كالغواص في عمق المياه، لكنني هزمت شر هزيمة في الركعة الثانية، حين قذف من فاه روائح البصل والثوم والتوابل بكل أنواعها في عملية التثاؤب، عملية جعلتني على شفا حفرة من أن أسمع كلام الشيطان وألقي ما ألقيه من الشتائم "العفنة" عليه، لكنني استغفرت الله الذي أتوجه إلى بيته العتيق، وبدت أفكاري تتشتت تماماً، فما ذنبي أن هذا المخلوق لا يعرف شيئا عن فرشاة الأسنان أو معجونه، وملوحة عرقه كادت أن تدفن رئتي بشراسة من شدة الاختناق، ولِمَ صلاتي تدفع ثمن مخاصمته للصابون و"البانيو"؟!

تأوهت من رائحته النتنة التي تسربت إلى فتحتي أنفي بين الفينة والأخرى، كانت لي رغبة عارمة أن أصرخ على هذا الكائن البشري، وأتسبب في كارثة وسط المصلين، ولكن لا جدوى من اللعنات في صلاتي، تناثرت ركعاتي وتكسرت بسبب طفيليات من حل جانبي من "تلوث روائحي".

بعد السلام، تسللت إلى خارج المسجد هارباً من كمية الأذى الذي لحق بي جراء وقوف هذا الإنسان معي في صلاتي، متوسلاً إلى الله ربي أن يهبني العقل لمعرفة ما يمكن فعله في صلاتي القادمة مع الجماعة، وهي ليست بمرة أو موقف و"يعدي"، بل طفح بي الكيل مرات عدة.

ذكرت أعلاه أن هذه القضية ليست شخصية، فالدولة ولله الحمد تفعل كل ما بوسعها لكي يحضر المسلمون إلى الصلاة بالمسجد، وهذه التصرفات القذرة من بعض "الإخوة" لن تؤثر على خطواتي الحثيثة للالتزام بالصلاة جماعة في المسجد، بقدر ما ستؤثر على جيل الشباب والمراهقين، وحتى الأطفال، و يا خوفي أن يأتي يوم يقول فيه المراهق أو الشاب: "لن أصلي في المسجد، لأنه روائح بعضهم لا تطاق".

فخذوا زينتكم يا معشر المسلمين عند كل مسجد.