الإثنين 16 فبراير 2015 / 16:44

الإعلام الإماراتي يخوض المعركة الأصعب



لم يقبل الإعلام في دولة الإمارات العربية المتحدة لنفسه أن يقف خارج حدود المعركة، التي يخوضها العرب والمسلمون لمكافحة الاتجار بالدين، والإساءة له من قبل من يدّعون أنهم جاؤوا لحمل رايته، وتطبيق أحكامه، لتخليص العالم من الكفر والضلالة.

كما لم يقبل أن يكون مجرد ناقل للخبر، فكان صانعاً له، ومؤثراً في حركة وموازين المعركة والحرب المشتعلة في الاتجاهات كافة. لكن الأدوات التي استخدمها هذا الإعلام، تمثلت بوسائل الإقناع بالكلمة والاستناد إلى الواقع والتاريخ والدلائل النصيّة والأحداث الكبرى التي شهدها العالم منذ فجر الإسلام حتى هذه اللحظة الراهنة.

تلك الوسائل الحضارية، التي لم تخرج عن سياق المهنية والموضوعية الواجبة في مفاهيم ومضامين الإعلام، على عكس الوسائل التي استخدمها تنظيم داعش، الذي حاول الاختراق وقرر القرصنة والتطفّل والترهيب، والتوحّش أمام شاشات الكاميرا، وعبر مواقعه على صفحات الانترنت. وما تعرضتا له قناة أبوظبي، وصحيفة الاتحاد من قرصنة قام بها التنظيم قبل أيام، لدليل واضح على ذلك.

لو اخترنا الحديث عن صحيفة الاتحاد بشكل خاص، كمثال على واقع الإعلام الإماراتي الذي نتحدث عنه، لوجدنا أن الصحيفة أفردت داخل صفحاتها مساحة كبيرة وخاصة لمواجهة الفكر المختل، والظلامية الجائرة التي يراد منها أن تغطي عقول الناس، وتغلق أعينهم وآذانهم. كان ذلك عبر تخصيص ملاحق تسلط الضوء على حقيقة الإسلام وسماحته، وبراءته من كل ما يحدث باسمه من قتل وجرائم بشعة بحق أبناء البشرية جمعاء، في حين لم يُعجِب ذلك الأدعياء، لأن مشروعهم في حقيقته نقيض تماماً لصورة الإسلام الواقعية التي اجتهد الإعلام الإماراتي مؤخراً بمحاولات تثبيتها في ذهنية القارئ وسط موجة البث المضاد من المفاهيم القاصرة الساعية لتشويه الإسلام وتعكير الفكر العام لأبنائه. ما دفع التنظيم للهجوم على موقع الصحيفة والبحث عن عنق الحقيقة وذبحها، تماماً كما يبحثون دائما عن رقاب البشر لضربها بالسكاكين والخناجر.

إلى جانب تلك الملاحق، سعت الصحيفة إلى التوسع في التنوير، فطوّرت من ملحقها الثقافي، بما يتيح من انفتاح على ثقافة الآخر، وبناء جسور تواصل بين المثقفين في مختلف دول العالم، إيماناً بدور الثقافة والأدب في تطهير الفكر الإنساني، ومناعتهما ضد ما يُبث اليوم من مفاهيم مكسورة الوزن والمعنى، وأفكار تغرق في العتمة. وإضافة إلى ذلك، استضافت الصحيفة أهل الاختصاص من رجال الدين والعلماء والأئمة الذين تواصلوا مع مجتمع القراء وأجابوا على أسئلتهم وأحاطوهم بكل ما يمكن أن يحصّن فكرهم وعقولهم.

هذا كله تمت صياغته بمهنية وانحياز للحقيقة والعقل، فقد خاطبت الصحفية قارئها بلغة المنطق، والابتعاد عن صيغ المبالغة وردود الفعل المستعجلة. ولعلّ ما حدث لموقع الاتحاد، يبرهن على الفروق الكثيرة والكبيرة بين لغة الخطاب للإعلام الإماراتي ككل (الُمتّهم من قبل الظلاميين بمعاداته للإسلام!) وبين الخطاب الجامد للتنظيمات المتطرفة، الذي لا يقبل الحوار، أو الخضوع للمراجعة والمشاورة وكل ما دعت إليه رسالة الإسلام الحقيقية.

هذه ليست مقارنة بين الخطابين، ولا هي مجاملة لإعلام الإمارات، لكنها وقائع حقيقية وموثّقة، تؤكد أن الإعلام الإماراتي اليوم يقف في الصفوف الأولى من المواجهة مع التنظيمات الإرهابية بمختلف أسمائها وعناوينها. ولأن الأرضية التي ينطلق منها داعش في مواجهته وحربه هذه هي أرضية فكرية قبل أن تكون عسكرية، فلا بد من الإشارة إلى أن معركة الإعلام الإماراتي مع داعش هي المعركة الأصعب، التي ستحدد أخيراً من هو المنتصر.