الأحد 8 مارس 2015 / 09:33

المتباكون على الخلافة العثمانية!



هل كانت الحرب هي القاعدة في الدولة العثمانية؟ وهل تطورت هذه الدولة بالحرب؟ وهل ينسجم هذا الفهم مع الروح الإسلامي؟ وما هي الأسس القانونية لسياسة الفتح العثماني؟

حظي هذا السؤال بالترتيب الثاني بين 303 سؤالاً تضمنهم كتاب "الدولة العثمانية المجهولة" للباحث أحمد آق كوندز، الذي يهدف منه إلى إنصاف الدولة العثمانية من ظلم يراه وقع عليها ممن وصفهم بأعداء الإسلام!

والكتاب هو ردود مؤلفه على أشهر التساؤلات التي واجهها خلال أكثر من 5 آلاف محاضرة قدمها حول العالم، لذلك فإن هذه الأسئلة – بعيداً عن اتفاقنا أو اختلافنا حول الإجابات- تكفي لقراءة ملامح الصورة الذهنية السائدة عن الخلافة العثمانية حول العالم، وعلى اختنلاف طبقات الناس "من البقالين العاديين إلى رجال العلم" على حد تعبير المؤلف نفسه في مقدمته.

وهي الصورة الذهنية التي يرى المؤلف أنها تكونت بسبب ثلاث جبهات يحصرهم في "أعداء الدين والتاريخ، وهم يتخذون من الهجوم على الدولة العثمانية والعداء لها كستار للهجوم على الإسلام، لأنهم لا يستطيعون الهجوم السافر عليه".

ثم جبهة "المسلمين السذج الذين ... خدعوا بالدعايات المغرضة"، وأخيراً جبهة تضم "فئة معروفة... أخطأت في إدراك مفهوم الدولة العثمانية حول الأمة والملة العثمانية فوقفت ضد هذا المفهوم وانتقدته"!

الخلاصة أن المؤلف لا يفصل بين "الخلافة العثمانية" و"الخلافة الإسلامية"، وقد سخّر علمه من أجل إثبات أن هذه الخلافة إنما حملت طوال 600 سنة "لواء الدفاع عن الإسلام"، وأنها كانت كـ"الحديقة رائعة الجمال"، ولا يضير الحديقة الرائعة أن يركز "من كانت طبيعته منحرفة وغير سوية" نظرَه على "ثمرة متعفنة أو ورقة يابسة"!

أعود الآن إلى السؤال الذي حظي بالمركز الثاني في الصورة الذهنية للناس حول الخلافة العثمانية، وقد اخترت هذه السؤال تحديداً ليس لأنه الأهم، ولكن لأن إجابة المؤلف حوله تعد التمثيل الأهم لطريقة تفكير "المتباكين على الخلافة العثمانية" والراغبين في استعادتها الآن، بوصفها "الصورة المثالية للخلافة الإسلامية".

فكيف كانت إجابة الباحث على ذلك التساؤل الكبير؟

للإجابة عن هذا السؤال، قدم المؤلف ملخصاً "للحرب، أي الجهاد في القانون العثماني"، والتي ترد – في هذا القانون- تحت كلمات "الغزو" و"الجهاد" و"القتال"، والتعريف العام للجهاد هو الكفاح باللسان والمال والنفس وبكل الوسائل الأخرى في سبيل الله. وقد تم تعريف الحرب – التي تعني الجهاد- بأنها الحرب المعلنة ضد من يُدعى إلى الإسلام ولا يستجيب له. وبهذا المعنى _ وأنا أقتبس حرفيًا من الكاتب- "فالحرب وظيفة دينية للمجتمع الإسلامي في الأحوال العادية"، و"تكون فيها فرض كفاية، أما إن دخل الأعداء ديار الإسلام فالجهاد يكون فرض عين، على كل مسلم قادر على القتال، وفي هذه الحالة يجب إعلان النفير العام".

ثم يستطرد المؤلف: "كما هو معلوم فإن الدولة العثمانية لم تؤسس على قيم مادية كالوطن أو العنصر، بل على قيم معنوية وعلى مبدأ تأمين السعادة في الدارين".

ويعدد المؤلف بعد ذلك الأسباب التي تبرر الحروب في القانون العثماني، ويأتي في مقدمتها "الحرب في سبيل الله وإعلاء كلمته ودينه، أي ما أطلقوا عليه اسم الحرب لإعلاء كلمة الله أو الجهاد في سبيل الله" "ويدخل في هذا إيضاح الإسلام للناس جميعًا وإيصال دعوته إلى جميع سكان الأرض"، ويضيف: "ويجب علينا أن نتذكر أن بعض الحروب – في مرحلة الصعود خاصة- كانت لنشر دعوة الإسلام".

من ضمن الأسباب التي تبرر الحروب في القانون العثماني كذلك، "قيام الأقليات المسلمة الموجودة في الديار غير الإسلامية بطلب العون، ففتح جزيرة رودس مثلًا كان نتيجة للظلم الواقع على الأقلية المسلمة هناك، وكذلك للظلم الواقع على السكان الأصليين أيضاً".

ويستطرد المؤلف في بيان المعاملات التي تقتضيها الشريعة الإسلامية لإعلان الجهاد – وفقاً للقانون العثماني- يقول: "قبل البدء بالحرب يجب دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، وإلا يجب إنذارهم بالحرب، فإن كان العدو من غير المسلمين من جماعة الذميين فهم يدفعون الجزية إن لم يقبلوا الإسلام، وعند ذلك يدخلون في حماية الدولة الإسلامية، فإن لم يقبلوا هذين الاقتراحين تبدأ الحرب آنذاك معهم". ويضرب المؤلف المثال على ذلك بفتح "بترفارادين"؛ "فقد طلب منهم العثمانيون الطاعة اتباعًا لأوامر الكتاب والسنة، ولكنهم عندما عاندوا في العصيان، تم إعلان الجهاد"!

وأخيراً يفخر المؤلف بما أورده المؤرخ الألماني "لييز" بأنه "عندما تم فتح بلاد العجم والروم لم تقم الجيوش الإسلامية بوضع أهالي هذه البلدان بين خيارين: إما الإسلام وإما السيف، بل وضعوهم تحت خيارين: إما الإسلام أو الجزية" ورأى في ذلك أمراً يستحق التقدير والمدح!

ليس غريباً إذن ما نشهده من محاولات استعادة تركيا أردوغان للخلافة العثمانية، ومن أفعال المتباكين على سقوط تلك الخلافة الذي اعتبروه سقوطًا للإسلام، ومن تأييد هؤلاء لممارسات إرهاب الآمنين في أوطانهم تحت راية ما يسمونه "جهاداً"!