الكاتب عبدالهادي سعدون
الكاتب عبدالهادي سعدون
الأربعاء 13 مايو 2015 / 11:27

عبد الهادي سعدون: من يملك وطنين يكتب برأس منشطر إلى نصفين

24 - ريتا دبابنه

يعترف الروائي العراقي عبد الهادي سعدون أنه يمتلك وطنين، لكنه ـ رغم ذلك ـ يحمل هماً واحداً، هو الهم العراقي، والمأساة العراقية التي حاول أن يرصدها في نصوصه، ولا سيما في روايته المهمة "مذكرات كلب عراقي". يعيش سعدون في أسبانيا التي هاجر إليها عام 1993 لكن قلبه في العراق، لذا نجد أن قصصه عن أسبانيا تمتلئ بتفاصيل شوارع بغداد. عبدالهادي سعدون يمتلك تجربة مميزة في أكثر من نوع أدبي، يكتب الشعر والقصة والرواية، وأيضاً ترجم عدداً من الدواوين عن الإسبانية، وله العديد من الأعمال الأدبية باللغتين.

تاريخ النقد الأدبي سيغربل كل هذا النتاج ويخرج بمجموعة من الأصوات الروائية الرائعة جداً ومجموعة من الأعمال الأدبية التي ستحظى وستبقى على مدى بعيد

أعتقد أنه من الظلم أن نقول أن المثقف العراقي من الداخل لا يفعل شيئاً، ولكنه يعمل ضمن قدرته واستطاعته

من بين إصداراته: اليوم يرتدي بدلة ملطخة بالأحمر (1996)، كنوز غرناطة (1997)، انتحالات عائلة (2002)، دائماً (2010)، مذكرات كلب عراقي، وتوستالا (2014).

كان لـ 24 فرصة للقائه على هامش مشاركته في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، وكان هذا الحوار:

أنت كاتب عراقي تقيم في الخارج، ويحمل أي كاتب همه الوطني معه حتى لو كان خارج بلاده، كيف أثر ما شهده العراق منذ سقوط نظام صدام، وحتى ظهور داعش، على كتابتك؟
في الحقيقة ما ذكرتيه صحيح بالفعل أن "الكاتب يحمل همه الوطني أينما يمضي"، سواء تعلم في بلد آخر، سكن في بلد آخر، تعلم لغة أخرى، يبقى الوطن ومؤثرات الطفولة مؤثرة في أي كاتب، لا أستطيع القول أنني كاتب إسباني، فأنا كاتب عراقي أحمل الهم العراقي، وكل كتاباتي تدور عن العراق وما يدور في العراق حتى لو أتحدث عن مدريد أو مواضيع إسبانية، فأنا أتحدث عن شخصيات عراقية ووضع عراقي متأزم في المنفى، ولا أخرج عن مفردة "الوطن". وضع العراق مؤلم جداً، أن ترى بلدك يُدمر ويُحتل وتدخل قوى أجنبية وغريبة تدمر كل حضارة العراق منذ البدء إلى اليوم، مؤلم جداً ألا تستطيع الحراك أو فعل أي شيء إزاء هذا الوضع، فكل ما بيدي هو الكتابة، فأنا أكتب وأتحدث للصحافة الإسبانية والعربية والعراقية تحديداً وأتحدث عن كل هذا الدمار، فالدمار لا أقصد به جهة معينة ولا شخص معين ولا بلد معين، هو يعنينا كلنا، وكلنا مسؤولون عما يحدث بالعراق حتى لو كنا خارج الوطن، هذا الألم طبعاً يتحول إلى مفردات والمفردات إلى جمل والجمل تتحول إلى نصوص وهذه هي وسيلة وهدف الكاتب، التنويه والتذكير الدائم بهذه المسائل.

برز خلال السنوات العشر الأخيرة في العراق، عشرات الكتّاب الجدد، فضلاً عن هجرة العشرات، لكن رغم ذلك، لماذا لا نرى دوراً بارزاً للكتاب والمثقفين في ظل ما يحدث، أم أن ما يحدث أكبر من حصره في الكتابة؟
طبعا ما يحدث في العراق والعالم العربي هو شيء كبير جداً، لا نستطيع حصره بسنة أو سنتين، يجب أن ننتظر فترة طويلة جداً لاستيعاب هذه المسألة، ولكن هذا لا يعني أن دور المثقف كان صغيراً، أو لا يزال دوراًَ صغيراً، لكن نستطيع أن نقول  إنه دور مهمش، لأن السياسة دورها أكبر من خلال التدخل والتبرير المستمر، المثقف دائماً على الهامش ليس بسبب اكتفائه أو عدم قدرته على هذا الشيء، بل لقناعته أن ما يقوم به الكاتب هو التنويه، فهذا دور الكاتب خاصة في الأحداث الراهنة حالياً، ففي العراق هناك نشاطات عديدة وأصوات مثقفة مهمة جداً  داخل العراق وخارجها، لكنها إزاء الوضع السياسي المتأزم والدمار الكبير فهي تبدو 1 % قياساً للـ 99 % لما يجري في العراق، أعتقد أنه من الظلم أن نقول أن المثقف العراقي من الداخل لا يفعل شيئاً، ولكنه يعمل ضمن قدرته واستطاعته.

روايتك الأخيرة "مذكرات كلب عراقي" لماذا اخترت أن تدور على لسان كلب؟
هذه الرواية أتعبتني كثيراً، ففكرتها قديمة وتعود إلى أكثر من 10 سنوات، كل كتاباتي كما أشرت سابقاً تتحدث عن العراق ولكن ضمن مناخ المنفى، وكان لدي أمنية كبيرة ورغبة أن أكتب عن العراق من داخل العراق، أنا أتكلم عن بغداد وأجواء العراق، ولكن لم يكن لدي قدرة على مزاوجة شخصيات واقعية حقيقية إنسانية من ضمن المجتمع العراقي اليوم، ولذلك لجأت إلى فكرة ضمن جملة كانت تراودني دائماً هي الجملة الأولى في الرواية تدور على لسان كلب عراقي، فوجدتها فرصة مناسبة لاستغلال هذه الشخصية للحديث، لأسباب عديدة، ولكن أهمها هو للخروج من النمط الإنساني لأن المعتاد أن الروايات تدور على لسان البشر.

هل كنت تريد أن تقول أن الكلب يملك رؤية أكثر من البشر في ظل التجاذب السياسي الطائفي في العراق؟
لا، إطلاقاً، هي فقط تلميحة أدبية للخروج من النمط السائد، فالكلب عالم بحد ذاته يتحدث بلغات ويقرأ روايات، فهي خروج من النمط السائد داخل النمط الروائي الـ "بيكاريسكي"، أي البحث عن شخصية فريدة وغير تقليدية من أجل الوصول إلى الهدف المعين، ولكن كما قلت فالرواية بحد ذاتها إنسانية بحتة، وليس لها علاقة بالحيوانات إلا ضمن اللعبة أو القناع الحكائي للرواية.

هذه الرواية، هل يمكن اعتبارها رواية "المأساة العراقية"؟
ليس لي الحق بالقول عن رواية كتبتها أنا، ولكن بحسب ما قيل عنها بالنقد العراقي والعربي فهي توصف بهذا الشيء، ولكن في الحقيقة، الرواية تدور حول كلب عراقي وممكن أن نقول إنسان عراقي مر بكل المحن، من الممكن أن تكون شخصيتي أنا أو أي عراقي آخر يمر بفترة دكتاتورية فينجو من الدكتاتورية إلى زمن الاحتلال ويتعرض في الاحتلال إلى الغش والنصب والقتل والتدمير والتهجير إلى أن يجد المخرج الوحيد وهو الهروب والمنفى، مثل قصة أي عراقي آخر، لذلك نعم من الممكن أن تمثل المأساة العراقية بشكل كبير.

لكن رغم الهم العراقي الظاهر في كتابتك، إلا أن إسبانيا التي تقيم فيها ظهرت في قصصك وكتابتك أيضاً، مثل مجموعتك القصصية "توستالا"، هل تنظر إلى إسبانيا كمغترب، أم كمواطن، وكيف يكتب من يملك وطنين مثلاً؟
من يملك وطنين يكتب برأس منشطر إلى نصفين، أنا دائماً أقول هذه الجملة وأكررها، أنا أمضي برأس منشطر، جزء عراقي وجزء إسباني وأحاول طوال إقامتي وطوال فترة كتاباتي الماضية والجديدة أن أوازن بينهما، لذلك وجدت حلاً هجيناً، أن أتحدث عن العراق والوضع العراقي في رقعتي الجغرافية التي أقيم بها اليوم في إسبانيا وكل مدن إسبانيا ومناخها ولغاتها، ولكن بهم عراقي وشخصيات عراقية، ففي قصص توستالا من العنوان إلى آخر قصة فيها هي قصص إسبانية مئة بالمئة ومن يقرؤها بالعراقي يجدها قصصاً عراقية بحتة، حتى لو تدور في مناخ إسباني، لماذا؟ إنها المزاوجة. أعتقد أن النجاح بشكل أو بآخر هو الحديث عن مواضيع إنسانية دون الوقوع بشرك مسألة الجغرافيا ومسألة الوطن لأن القصص بكل الأحوال هي قصص إنسانية وممكن أن تكون مجردة من أي بلد، إذا كان لها هدف وغاية معينة وحبكة درامية جيدة فمن الممكن أن تنجح.

أنت تكتب الشعر والرواية، أيهما أقرب إليك؟ وكيف تفضل تصنيفك: شاعر أم روائي؟
أفضل أن يطلق علي صفة كاتب بصورة عامة، ولكن أنا أفضل القصة أكثر من الرواية والشعر، لذلك أقول عن نفسي أنا قاص، ففن قص القصة صعب جداً وليس بذلك التهميش الذي نراه الآن في الأوساط الأدبية والثقافية العربية ودور النشر التي لا تعطي أهمية كبيرة للقصة وكأنها فن أصغر وهذا غير صحيح.

يتحدث الكثيرون عن أن هذا "زمن الرواية"، كيف تنظر إلى هذه المقولة، وهل هذه العبارة تكون حاضرة في ذهن الكاتب عند الكتابة؟
في الحقيقة، نعم هو زمن الرواية وهي صفة جيدة ونافعة ومفيدة للأدب العربي، كما تعلمين الرواية دخلت على العالم العربي في نهاية القرن التاسع عشر ومع بداية القرن العشرين بدأت تزدهر، فهي فن جديد ووليد أخذناه من الغرب وأبدعنا به لأشواط كثيرة، ولكن لم نصل للكم والزخم الروائي الكبير الذي نراه في البلدان الأخرى في أمريكا اللاتينية أو أوروبا أو أمريكا، لذلك أعتبر هذا الزخم  شيئاً إيجابياً، لأن تاريخ النقد الأدبي سيغربل كل هذا النتاج ويخرج بمجموعة من الأصوات الروائية الرائعة جداً ومجموعة من الأعمال الأدبية التي ستحظى وستبقى على مدى بعيد. لست ضد هذه الفكرة نهائياً ولكن أنا ضد تهميش الأجناس الأدبية السردية الأخرى مثل القصة، لا يوجد دار نشر عربية تنشر القصة بشكل سهل جداً مثلما تنشر للرواية، لذلك أنا أحب القصة جداً وكتبت فيها أشياء كثيرة سواء قصصاً للكبار أو للأطفال، فالقصة عالم مختزل ويحتاج دربة وحبكة ومران شاق من أجل كتابة قصة قصيرة لا تتعدى الصفحة أو الصفحتين.

قلتَ في مقابلة معك من قبل إنك مهموم بأن "القارئ يدرك أنه أمام نص لا يمر بسهولة"، هل هذا يلقي في رأيك عبئاً على القارئ أم الكاتب أكثر؟
أنا دائماً أحترم القارئ وأفترض أنه إنسان ذكي ويقرأ النص بمتعة، فالنصوص السردية والأدب بصورة عامة يجب أن يقرأ بمتعة وبدراية وبتعلم، فلا يجب أن يكون كتاباً للترويج، تقرأ وتتمتع في القصة لكن تنساها، يجب أن تتعلم من الكتابة إضافة إلى المتعة طريقة السرد، اللغة، كيف لغة هذا الكاتب تختلف عن اللغات الأخرى، المناخ، فضلاً عن صبغة الكاتب التي يجب أن تكون في النص، فعندما تقرأ النص تقول إنه للكاتب الفلاني، مثلاً عندما نقرأ نصاً لماركيز نقول إن هذا النص يعود له، وهذا ينطبع على أي كاتب عربي آخر، لذلك أنا أحترم القارئ وأظن أن القارئ سيحترمني كثيراً عندما يرى أني أتعب في النص وأكتبه بشكل جيد، وأحترم ذكاء القارئ، لكن ليس معنى ذلك أن نصوصي غير ممتعة أو صعبة المنال إلى درجة كبيرة، فهناك نصوص بالفعل كتبتها كانت صعبة جداً وهناك نصوص متوسطة ولكن في كل الأحوال حاولت المزاوجة بين المتعة والنص المتين، لذلك أقول دائماً وأكرر، احترامي للقارئ يشجعني على كتابة نص محكم حتى يكون دليلاً لشخصي كأديب إزاء القارئ نفسه.

ما مشاريعك الجديدة؟
عندما نشرت مجموعة توستالا، انتهيت من مجموعة قصص تحت عنوان "سكر الباه" وتتحدث عن الباه والروتيك العربي ولكن لحد الآن لم أجد دار نشر تقوم بنشرها، إضافة إلى أنني أعمل الآن رواية تحتاج زمناُ وأنا غير متفرغ لها حالياً لذلك أكتبها على فترات متقطعة.