الخميس 21 مايو 2015 / 19:03

التقنية بريئة منكم




أخطأ كُثر عندما قللوا من أهمية شبكات التواصل الاجتماعي وحجم تأثيرها على عقول الشباب وبلورة تفكيرهم، وتعاملوا مع الجيل الرقمي الحالي بمفاهيم الماضي، إلا أن ذلك لم يحل دون أن ينتشر العالمين الرقمي والافتراضي على النحو الذي نراه اليوم. وبالنسبة إلى كثيرين خاصة في العالم العربي تحولت شبكات التواصل الاجتماعي وحاراتها الكونية وقنواتها المتعددة مكاناً لتفريغ الشحنات الإيجابية والسلبية، غير أن تلك الأخيرة كان لها نصيب الأسد، فتشعبت وتضخمت واتسعت دائرتها بشكل أصبح صعباً السيطرة عليها.

ويلقي كثر بالمسؤولية في ذلك على التكنولوجيا الحديثة والأجهزة الذكية فأخذت نصيبها من الاتهامات وإلقاء اللائمة عليها، متناسين أن الابتكارات والاختراعات والتقنيات لم تُولد التو، فهي موجودة وتتطور منذ نشأة الإنسان.

ولعل السبب الحقيقي فيما نشهده اليوم من فوضى في الثورة والثروة الرقمية هو استغلال هذه المنصات في الترويج لكل ما هب ودب من أفكار، ولكن ما هو واضح للعيان أن الفكر الإرهابي أخيراً وجد ضالته في شكل قنوات وأدوات ظل يبحث عنها سنوات طويلة لينفث خلالها سمومه، لتصل إلى العالم كافة وتنتشر بسرعة الصاروخ في أقل وقت وبأرخص التكاليف، فما أسهل كتابة منشور أو تغريدة أو تدوينة أو نشر صورة أو مقطع فيديو، تغلغل جميعها في عقول جيل لم يجد سوى كنف وأحضان معلومات "السوشيال ميديا"، لينمو ويترعرع فيها مُنجرفاً وراءها دون التشكيك في صحتها.

ولكن، من يكتب تلك الترهات وينشر الشائعات ويرفع الصور ومقاطع الفيديو المفبركة والمؤذية؟، هل هي روبوتات؟ وحتى لو افترضنا ذلك، فهذه الروبوتات الذكية مبرمجة بفعل الإنسان، أليس هم أناس حقيقيون يتوارون خلف ستار الشبكات الاجتماعية التي يتخذونها ملجأ لهم، علماً أن هذه الشبكات أُنشئت في الأساس لتربط بين البشر وتقلل المسافات، لا لتهدم العلاقات وتفكك الروابط وتغسل العقول وتملأ الأدمغة بالأفكار الواهية المضللة.

لم يقترف المبتكرون إثماً عندما أبدعوا وأنتجوا أجهزة وتقنيات وشبكات، من المفترض بها الارتقاء بحياة البشر، لم يدركوا أن آخرين، سواء سياسيين يديرون اللعبة من وراء الكواليس أو مستخدمين بعضهم "غافل متطرف فكرياً وسلوكياً" سيأتون ليشوهوا ثمرة إنجازاتهم ويطمسوا جوهر إبداعاتهم ويحولوا ما قدموه من ابتكارات إلى وصمة عار.

العبرة في النهاية في طريقة وكيفية الاستخدام الصحيح والاستفادة المثلى من التقنيات الحديثة في توجيهها لصالح الفرد والمجتمع، بيد وفكر الفرد والمجتمع لا غيرهم. فالأجهزة الذكية والشبكات الاجتماعية إنما هي صناعة بشرية دُشنت ليديرها أصحاب العقول الناضجة، لا لتسيطر على فكر الإنسان وتمحو مبادءه وتلغي أدميته.