الثلاثاء 7 مايو 2013 / 16:36

قانون الجاذبية "الكاذبية"

كذب أبيض، كذب أسود، أصفر، وأخضر، وأحمر، ربما بنفسجي أيضاً. كذب بألوان قوس قزح حقاً، لكن "تعددت الألوان والكذب واحد"، والحقيقة أننا ما عدنا نعرف الحقيقة، وما عدنا ندرك إن كان الكذب مجرد حاجة غير مُبرَّرة، أم هواية تدل على الذكاء والخبث، أم غاية للوصول إلى هدفٍ ما، أم قناعاً يخفي نوايا أخرى بألوان قوس قزح نفسها.

العجيب أنه أصبح في داخل كل منا جهاز داخلي مثل "البوليغراف"، لقياس معيار الكذب، فتجدنا نقوم بمسح كامل وشامل للموضوع المعني ثم نقوم داخلياً بتحليله، وإقصاء المعايير التي لا ينطبق عليها جهازنا الداخلي المتطور.

طبعاً لكل منا ردة فعل تختلف عن الآخر في حال استشعر تلك الإشارات الكاذبة، فمنا من يقوم مباشرة بالتصريح عن تقريره، بكل صراحة وصدق، وهؤلاء من يخشاهم الفاشلون في اختبار كشف الكذب، ومنا من يقوم بالتلاعب في الأسئلة كي تتم محاصرة الموضوع حتى يتم استخراج الاعتراف بالكذب، وربما تلذذ بطعم الذكاء ونكهة الانتصار كلما قام بتضييق الخناق في طرح تلك الأسئلة المراوغة!

ومنا من يفضل الصمت، فلا يفشي بنود تقريره السرية، لأسباب كتجنب الإحراج أو التجريح، أو لتفهمه الأمر، أو ربما للامبالاة، أو لإتقانه فن "التطنيش"، أو لعدم أهمية الموضوع بالنسبة له، فتجده يكتفي بابتسامة عريضة مظللة، تدل على فخره بنفسه لمدى جدارة جهازه الداخلي في كشف الكذب.

وللأسف منا من يقع فريسة سهلة تحت جاذبية قوس القناص الكذاب-الجذاب، دون أن يدري، فيفتح له صدر النية الصادقة، كي يرشقه بسهام الكذب التي تتسابق في إصابته الواحدة تلو الأخرى دون رحمة.

إن الكذب صفة بشرية سلبية معروفة منذ الأزل، وهي منبوذة في جميع الأديان السماوية وغيرها، بل في معايير الأخلاق الإنسانية العامة والخاصة، وعلى مر الأزمان وبمختلف الأشكال، ففي كل حقبة زمنية، نجد قضية الكذب، مشروحة شرحاً مطولاً عن مظاهرها، ومحاولة معرفة أسبابها، ونتائجها، وكيفية الحد من تفاقمها بشتى الوسائل.

الأمر فيما يتعلق بالكذب يتماوج بين ترغيب وترهيب، فعلى ما يبدو أن هذه الصفة الانسانية، برغم ثورة التكنولوجيا، واختراع الذرة والصعود إلى القمر، إلا أن البشرية إلى حد كبير لا تزال عاجزة، عن ردعها أو اكتشاف بؤرة أساسها الشيطانية.

ربما حدود العلم توقفت عاجزة عند حدودها، لتجدنا نشاهد بتمعن مجرى أحداث هذا السباق كأفلام التشويق والإثارة، في كيفية اتحاد العلم مع التكنولوجيا لاختراع أساليب بالغة التطور للكشف على الكذب.

ومن ناحية أخرى، نرى تطور جينات تلك الصفة الإنسانية، على نحو يتصدى لهذا التحالف العلمي التكنولوجي، حتى باتت "مهارة الكذب"، تعد امتيازات إنسانية فائقة الجودة، والتي إلى حدٍ ما وبشكل غير مباشر، أصبحنا نعدل من معاييرنا في القبول والرفض، بحسب مهارة فنون الكذب وأساليب الخداع، حتى دون أن نشعر.

إن ما شدّني أخيراً وجعلني أقف مشدوهة فاغرة فمي، هو ازدياد عدد أفراد تلك "الطائفة المتطورة"، والتي أصبحت من شدة مهاراتها في ممارسة هذا السلوك المشين لا تعي أنها تمارسه أساساً!

ووصل بها الأمر إلى خداع ذاتها بذاتها!، لتمشي على درب حبالها الطويلة، التي ما عادت تقبل القص دون أي وعي لحقوق الإنسانية، ولا وخزٍ للضمير ولا إحساس باختناق صدر الصدق بين براثنها، بعد أن رفعت شعارها التالي: "من قال الكذب فقد صدق، ومن قال الصدق فقد كذب".

أخيراً، وبعد اقتناعي بتاريخ هذا السلوك، ومدى تأصل هذه الصفة السلبية التي تتفاوت من شخصٍ لآخر، ومن وقتٍ لآخر، وذلك بحسب الظروف البيئية والمجتمعية، والدينية والأخلاقية، وحتى القناعة الفردية في الامتثال للصواب أم الخطأ، وبعد مرور كل هذه السنوات على محاولات العلم والتكنولوجيا، وتحليل أجيال الفلاسفة وعلماء المنطق والنفس، وتقييم مشايخ الدين وجميع الأساليب الرادعة الأخرى، أظن أنني توصلت إلى تعديل طفيف على قانون "نيوتن" للجاذبية الأرضية!، فأطلقت عليه قانون "الجاذبية الكاذبية"، فكأن الأرض تحكمها الأكاذيب.

ولكم الرأي الآخر.