الأربعاء 17 يونيو 2015 / 13:41

في التطرف



قالت إنها رأت في الحلم شاباً جميلاً وجهه وضّاء منير يرتدي ثياب المجاهدين ويمد لها يده بحزمة نقود. استوقفتني صفة "ثياب المجهادين" سألتها، عفواً لكن كيف هي ثياب المجاهدين؟ أجابت كمن يستنكر السؤال: ثياب المجاهدين. ألا تعرفينها؟ دققت في معلوماتي، في ذاكرتي، لم أستطع تخيل شيء مثل ذلك. عادت بي الذاكرة إلى زمن المسلسلات التاريخية حيث يهجم جيش المسلمين بثيابهم البيضاء الناصعة على جيش الكافرين بزيهم الأسود. سألتها: تقصدين الثياب البيضاء مثل المسلسلات؟ أجابت: لا لا، ما هذا الهراء، هذه المسلسلات التي خربت أدمغتكم. استوقفتني صيغة الجمع هنا، فمن تقصد بأدمغتنا، لكن لم أقاطعها. سأعاود سؤالها عن ذلك لاحقاً. أردت الآن أن أعرف ما هي ثياب المجاهدين التي رأتها في الحلم الذي استبشرت به. قالت هي الثياب السوداء. ثياب أعضاء الدولة الاسلامية.

ذهلتُ لوهلة. هل تقصدين داعش؟ قالت ببساطة: نعم.

هي ليست الوحيدة التي ترى في جماعة مجرمة صورة المجاهدين الحقيقية. هي ليست إرهابية ولكنها مغسولة الدماغ. غسلتها تعاليم ممنهجه تبث عبر قنوات مختلفة إعلامياً وتعليمياً تقول لها إن الدين هو ما يشبهنا وما عدانا فللموت وهكذا أمرنا الرب وامتثالاً لأمره لا يجب أن تأخذنا في الله لومة لائم. وغيرها من العبارات الفضفاضة التي يركبونها لتناسب أي سياق. هكذا يشترونهم، يسلبونهم إرادتهم الحرة ويوهمونهم أنهم في الصف الخيّر، في صف الله. ومن لا يريد أن يكون في صف الله؟

في غمرة عملية الغسيل يقلبون الموازين، فالله رب النور يصير رباً لهم فقط. يتم نزع الفتيلة الانسانية بعملية صبورة مكثفة طويلة الأمد ومدروسة بدقة، تلك الفتيلة الانسانية التي ترى في إراقة الدماء حرمة، التي تستنكر الاعتداء حتى على من يجاهرك بالعداء. تلك الفتيلة الانسانية التي قد تذيب القلب حزناً حتى على من يقتلك. هذه الفتيلة الحساسة جداً، يتم حرقها بلهيب التشدد؛ يقال لهم: أنت وحدك على الطريق المستقيم، ومن عداك ضال إلى الججيم، وفي الخلاص منه قربة لك إلى النعيم. يُقسّمون الجنة والجحيم على البشر كيف يشاؤون فهم يمتلكون الحق ومن عداهم لا يفقه من الأمر شيئاً والجاهل يُقوّم أو يُقتل.

التطرف حالة نفسية يصاب صاحبها بالتشنج العصبي في وجود المختلف. يتلبّس الشخص يقين لا يقبل النقاش فيه بأنه هو المختار لتطهير البشرية... من البشر. بأنه السائر على الدرب الصحيح وكل من عداه ضال ميؤوس من هدايته إلا بتصفيته. هذه أفكار إجرامية تبنتها فئة قليلة بالفعل، ولكن من يتبناها بالتعاطف أكثر، من يدري ربما لو صار المجال متاحاً للممارسة لظهر الوحش من القمقم.

نقول في العالم العربي إننا نخضع لمؤامرات خارجية. لكن ما كانت أي مؤامرة لتنجح لو لم تجد أرض خصبة تعتاش عليها وتنمو. والأرض الخصبة المفرّخة للفكر المتشدد نرعاها نحن بالتجاهل أو التعتيم أو المحاباة. ربما حان وقت اليقظة، والاعتراف بأن لو لم يكن فينا الخلل لما تسلل إلينا الشر من الخارج.