الجمعة 31 يوليو 2015 / 14:14

المكالمة التي أغضبت نجيب محفوظ من توفيق الحكيم



المعارك الأدبية ليست وليدة هذه المرحلة ولكنها منذ قديم الأزل، تصل لحد الاتهام بالسرقة من كتاب أجانب.

هنا المعركة بين توفيق الحكيم وبين الناقد أحمد صالح رشدي الذي كان يكتب باستمرار في جريدة الجمهورية، وقد خصص جزءاً من مقالاته في حملة ضد توفيق الحكيم وصار يعقد مقارنات بين ما يكتبه الحكيم وما يشابهه من كتابات أخري أجنبية، ومن أشهر المقارنات التي قدمها كانت ما بين كتابي "حمار الحكيم" و"حمار خمينيث" الكاتب الإسباني، ونشر مع المقال صوراً من كتاب خمينيث ليستشهد بها علي نقل الحكيم، ومن العجيب أن تري مقاطع منقولة نصاً.

القضية هنا ليست بين كاتب عادي وناقد، ولكنها كانت بين توفيق الحكيم الذي كان يحبه عبدالناصر، وبين الناقد الذي يكتب في صفحات جريدة الجمهورية والتي كانت صوت ثورة يوليو، إلى أن انتقل هيكل من مجلة آخر ساعة لجريدة الأهرام، فأصبحت الأهرام صوت السلطة.

عبد الناصر كان يقرأ الجمهورية بشكل منتظم، وكان يتابع كل ما يكتب ضد توفيق الحكيم، فقال "هذه حملة غرضها تشويه توفيق الحكيم وليست لغرض التحليل الأدبي، ولقد تأثرت برواية "عودة الروح" لدرجة أنني استوحيت منها فكرة الثورة وعلي الآن أن أكملها".

خرج هذا التصريح للأوساط الأدبية وللشارع، وبدأت جلسات النميمة تنصب على حديث عبدالناصر عن رواية "عودة الروح"، والذي أكد هذا هو منح توفيق الحكيم أرفع الأوسمة التي لا تمنح إلا لروؤساء الدول.

وفي إحدى لحظات ارتباك السلطة وعلاقتها بالشعب، أراد عبدالناصر أن يسمع لآراء بعض المفكرين والكتاب، فاتصلت رئاسة الجمهورية بتوفيق الحكيم وطلبت منه لقاء الرئيس وحددت الميعاد. توفيق الحكيم اتصل بهيكل وأخبره بما حدث، بالطبع هيكل كان علي علم بهذا لقربه من الرئيس، وبعدها بلحظات اتصل نجيب محفوظ بتوفيق الحكيم ليطلب منه التدخل ومحاولة الحفاظ علي الكتاب من بطش أجهزة الأمن، تدخل يوسف السباعي وأنقذ عبدالرحمن الشرقاوي، وكامل الشناوي أنقذ أحمد رشدي صالح، وسعد الدين وهبة تدخل لإنقاذ عبدالقادر القط، فهؤلاء ليس لهم علاقة بأية أنشطة حزبية أو تجمعات سرية ضد السلطة، وهو ما جعل عبدالناصر يصدر قراراً بالعفو وإخراجهم.
"البطش يا توفيق بك للأسف سوف يؤثر علي النظام نفسه وهذا لا يرضينا"، نجيب محفوظ كان يعلم أن أجهزة التصنت تعمل وتسجل هذه المكالمة. ولكن جاء رد توفيق الحكيم صادماً: "يا نجيب هما بيقبضوا عليهم مش عشان الثقافة، ولكن عشان السياسة .. لما يتقبض علي حد عشان كتاب لازم هتدخل، لكن ناس عايزين السلطة إحنا مالنا ومالهم؟" (وهذا ما ذكره غالي شكري في الأرشيف السري للثقافة المصرية).

ومن الغريب أن توفيق الحكيم لم يذهب للقاء الرئيس، وهذا ما أغضب عبدالناصر، ولكن هيكل سرعان ما ذهب لمكتب رئاسة الجمهورية، وبرر للرئيس موقفه بأنه رجل عجوز ولا يتابع كل ما يحدث، ومن الأفضل أن يظل بعيداً حتي لا يشك فيه أحد ويحسبه علي السلطة.

وفي نهاية العام شعر توفيق الحكيم بفساد وظلم السلطة للشعب، فكتب مسرحية "السلطان الحائر" لكي يكفر عن ذنب وقوفه بجوار السلطة، والمسرحية تنبهنا أن الرئيس يكون غير شرعي طالما لا يؤمن بالشعب ويساعده، ولن يكون شرعياً بالسيف، وبالتأكيد عبدالناصر كان قد انشغل بالحكم ولم يقرأ الكتاب، ومكتب رئاسة الجمهورية لم يتصل ببيت توفيق الحكيم مرة أخرى.

وانتهت الحملة ضد توفيق الحكيم ولم يجرأ أحد علي أن يفتح مثل هذه الموضوعات مرة أخرى، وهذا بسبب ما نقل على لسان عبدالناصر من حبه لتوفيق الحكيم وتأثره به، وأعتقد إلى الآن لم يفتح هذا الملف مرة أخرى، قد يكون حباً في عبدالناصر أو أن الناس قد نست ما كان يجري، وقضايا الثقافة الحديثة شغلتهم عن إعادة قراءة تراث الثقافة المصرية.