السبت 22 أغسطس 2015 / 19:09

أمي ..

صباح الخير يا أمي

كيف حالك .. أتمني أن تكوني بخير .. أنا بخير .. أحيانا .. بعد فراقك يا أمي صارت كل الامور أحيانا .. لم يعد هناك شعور متكامل أحمله سوي الحزن والفقد .. الأيام تسير ببطء شديد .. الأشياء التي لمستها يدك يوما صارت تحدثني بذكرياتها معك .. الصور القديمة التي كانت تجمعنا صارت منحوتة في جسدي .. في كل مرة أغير ملابسي أري وشما من ابتسامتك ..ابتسامتك التي كانت تجعل للصورة طعم وحياة صارت بكاء يوميا علي فراقك .. عينك التي كانت تستقبل المستقبل والطالع بيقين العارف ولا يتحدث ..وبقلق قلب الأم خوفا علي خدش ما قد يصيب ابنها في قدمه اليمني وهو يلعب الكرة .. صرت طفلا تائها يا أمي .. لم أفكر يوما كيف يكون الطفل بلا أم .. وجدته مؤلم جدا يا أمي ..
في الليلة قبل ذهابك للمستشفى بيوم كنت ترفضين الذهاب للمستشفى وتصرخين .. سأموت هناك .. لا تحملوني إلي هناك .. كنتي تعرفين أن الموت في استقبالك هناك .. كنت تسبقيننا بزمن في فهم العالم .. وفي الليلة قبل الغيبوبة تكتبين ورقة بخط مهزوز عن معاملة الممرضين لك في الغرفة ولكن في نهايتها تختمينها بخط مستقر وواثق ( أنا مش هخرج من هنا ) فكنا نضحك ونقول هانت يومين وهنمشي من هنا ونروح للبيت وللحر والفرهدة .. وأسالك : هتيجي معايا في شقتي والهوا الجميل اللي عندي ولا هتروحي مع بابا ؟ تشيرين بيدك الي بابا .. قرأت في عينك تاريخك معه في اشارتك له .. هل سمعتيه في يوم الغيبوبة الأول وهو يهمس في اذنك وينادي عليك ويتمتم بكلمات لا اسمعها ؟ .. كان ينادي عليكي ويقول لك : قومي يا أم باسم .. قومي .. ويبكي .. انتي سمعاني صح ؟.. ولم ينتبه أن بالغرفة ممرضات قلوبهن صلبة .. وأطباء فقدوا كل ما يعرفونه عن الانسانية ..لا يتأثرون .. الأطباء في مصر مثل تجار الحروب .. يتحدثون كآلة حسابية ومكينة ايداع للفلوس ..
كانوا يقولون أني أشبهك .. كنت أشبه أمي .. وكنت أقولها بفخر .. أنا أشبه أمي .. الآن لا ملامح لي .. لأني صرت أشبه ملامح موت أمي .. ضاعت ملامحي يا أمي وصرت أشبه شيئا ما لا أعرفه ..

منذ كنت طفلا وأنا أشجع فريق الزمالك وباقي العائلة الأهلي ..فكنت وحيد وسطهم أشجع.. يا لبؤسي لو خسر الزمالك الكل أصبح ضدي إلا هي تقف بجواري مدافعة عني وعن الزمالك وهي لا تحب الكرة ولا تفهم فيها شيء ولكن كل ما تفهمه هو أنا .. لا يمكن أن أكون وحيداً وهي موجودة . كنت في ظهري كلما ظهر اختلافي عن السائد ... الآن صرت وحيداً للأبد ..

أصدقائي يا أمي يجلسون معي لا يتحدثون .. يفتحون هواتفهم الجوالة ويجلسون معها .. يخشون الكلام .. أجلس وسطهم وحيدا .. والبعض يخشي أن يجلس معي وحده حتي لا يصاب بحزن ما عابر من كلماتي عن فراقك .. أصحابي وحيدون وطيبون يا أمي .. تعيش وسطهم كما تعيش وحدك .. قسوة الوحدة تشربها كل يوم في فنجان القهوة .. لا أحد يعبأ بأحد .. لكنهم يشعرون بحزني ولا يقون علي إجراء يخرجني من هذا الحزن .. إنهم طيبون .. لست غاضبا منهم .. لكني غاضب من الموت ..

قديما كنت استمع إلي جملة ( ربنا يجعل يومي قبل يومك ) وكأنها مدح لمن يخصك .. كبرت وعرفت إنها جملة بها قدر كبير من الأنانية يا أمي ... إذا مت قبلك فأنا أعرف مدي الحزن الذي يصيبك وقلبك لن يتحمل فراقي وستتعبين بعدي .. فكنت اقول وانا صغير ماذا لو متنا جميعا في ليلة واحدة دون ان يشعر احدنا بالحزن والفراق ؟ ولا اعلم لماذا خلق الفقد والالم .. لا مبرر يقنعني لسبب وجودهما في حياتنا .. كان الأفضل أن يقطع جزء من الجسد مع من تحب ولا يجعل القلب يشيخ ويصيبه الوهن بالفراق ..

تعرفين يا أمي اليوم كادت سيارة تدهسني وأنا أعبر الطريق وأول شيء خطر ببالي هو قلقك علي .. وبعدها ارتجف قلبي لأني تذكرت أنك مت وسرت بالشارع أبكي أبحث عنك في عقلي وأقول لك لقد اشتقت إليك يا أمي .. أنا من غيرك طفل تائه لا يقوي علي الحياة .. ولعنت الموت ألف مرة وأخبرت السائرين بالطريق أن الموت لعين .. يحدقون بي .. منهم من يضحك ومنهم من يقول لا حول ولا قوة الا بالله كأني جننت .. لم يفهموا ما أريد أن أقول .. كل ما أريده أن أخبر المارة أني فقدت أمي واشتاق اليها وأنا ضعيف .. أريدها الآن بجواري تربت علي كتفي لأني حزين .. أنا حقاً حزين .. إلى اللقاء يا أمي .. إلى اللقاء .