الأحد 23 أغسطس 2015 / 20:04

المعبد

يقول الفيلسوف الإغريقي بروتاغوراس "الإنسان مقياس كل شيء" لأنه بالعقل يصل إلى الله وإلى جمال موجوداته وعظمتها، ولكن إذا فقد الإنسان عقله، فقد المقياس، وفقد الميزان، وصار مثل ذبابة تائهة، فرّت من قسوة طقسها الفطري. نسمع ونقرأ عن الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بسبب بناء معبد هندوس في بلادنا، وهؤلاء المرتجفون يفعلون ذلك لأنهم سقطوا تحت سطوة أفكار مسبقة بسطت نفوذها على عقليتهم "المراهقة"، وباتوا يرعدون ويزبدون، ولا يستطيعون أن يهشوا عن رؤوسهم حشرة الضار الهش، لا يستطيعون المصالحة مع أنفسهم لأنهم يعيشون تحت خيمة الأفكار الاستبدادية، والذهنية المسحوقة التي تشابه فلسفة "أنا ومن بعدي الطوفان"، مثل هذه الأفكار لا تصنع مستقبلاً، ولا تتماشى مع أفكار الكون، ولا تستطيع أن تتنفس إلا هواء ملوثاً بشظايا إشعاعية مبعثها الأنا المتورمة، ونفس غير مطمئنة..

مثل هؤلاء يريدون أن يعيش الناس جميعاً بجلباب واحد مهترئ وقديم قدم الدهر، ومثل هؤلاء يسيئون للإسلام الذي دعا إلى الحب، كما دعا إلى التكاتف مع شعوب العالم من أجل إعمار الأرض، وتجنب الدنيا الكراهية والحقد. مثل هؤلاء لم يقرؤوا التاريخ ومواعظ التاريخ كثيرة وجلية، لا يدفنها تقادم الأيام ... في أوربا الغربية، رفضت الكنائس في بداية الأمر شروحات ابن رشد لفلسفة أرسطو واعتبرت تلك الكنائس هذه الشروحات ضرباً من التجديف والكفر، ولكن بعد حين من الزمن، بعد أن بسط فارنز نفوذه، على أيدي فلاسفة عظام، أمثال روسو وديكارت وغيرهما أيقن الجميع أن معرفة الله وقدرته وجلاله، تبدأ بالقلب النير، فاعترفوا بابن رشد وبشروحاته الارسطية، حتى قال عنه شاعر إيطاليا العظيم "دانتي" إنه أعظم شارح.

اليوم البعض يفكر بتفكير قديم، ولم يتحرر من عبودية الأفكار التقليدية، لذا فهو يرضى ببناء معبد لمن يفكرون تفكيراً غير تفكيرهم، ولم يفكر هؤلاء أكثر.. إن الهندوس وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى هم شركاء في صنع غد البشرية، فلماذا لا نقول "لكم دينكم ولي دين"، ونتخلص من العقد الشوفينية، ونقل أسر النفوس المستعبدة من قبل هذه الذات البالونية. فاليوم تنقشع الغيوم وتزاح السقوم وتنجلي الهموم.