السبت 5 سبتمبر 2015 / 10:09

ارفع رأسك عالياً يا وطن

مثقلاً بالحزن والألم، دخلت اليوم إلى مقهى عتيق، وجلست على طاولة بكرسيين؛ فقد كنّا اثنين: أنا .. ووطني.

كنت قد صغت في ذهني كلاماً كثيراً، ورتبت عبارات تعزية وجمل مواساة نسيتها حالما جلس الوطن قبالتي، حدّق في وجهي فنسيت طقوس التماسك التي اعتدت ممارستها في مثل هذه المواقف.

بقينا صامتين دقيقة حداداً على أرواح شهدائنا، ثم أجهش الوطن في بكاء مرير، بيدٍ ربت على كتفه وباليد الأخرى أخرجت له رسالة من جيبي.

سألني وهو يلتهم أسطرها بعينين دامعتين: من كتب هذه؟!

استجمعت ما تبقى لي من روح في روحي وقلت له: أولئك .. الذين طالما كتبوا لك، على جدران مهاجعهم كتبوا لك، على أعقاب بنادقهم وقمم خوذاتهم رسموا وجهك، على صدور بزاتهم المضمّخة بعبق عرقهم دوّنوا اسمك، على صخور "عدن" و"تعز" و"مأرب" نقشوا وجهك، فوق جبهة الصحراء غرسوا عالياً/شامخاً علمك، من داخل ثغورهم وثكناتهم صدحوا بنشيدك، على لفائف الشاش الأبيض التي تغطي جروحاً وخدوشاً خاطوا خارطتك، وهذي السطور بين يديك كتبوها لك اليوم بدمائهم الطاهرة!

فضّ الوطن الرسالة وبصوتٍ متهدّجٍ قرأ:

وطني الحبيب

رغم الأشلاء والدماء
رغم الرّفات والذّكريات
رغم الحطام والرّكام

رغم صرخات الأمّهات، وأنّات الحبيبات
رغم دموع الآباء، وشموع الأبناء

رغم دقائق الحداد
وساعات السّواد

رغم كل شيء، وأي شيء يا وطن ... لا تحزن!
لا تحزن لأنّ الله معك .. ومعنا!

رغم كل شيء، لا تحزن وارفع رأسك عالياً يا وطن

ستبصر، لا شمساً واحدة، بل ٤٥ شمس ساطعة، لن تقوى دمى إيران على إطفائها، ولن يكون للموت طاقة على حجب بريقها!

لا تحزن يا وطن

فقد جاء في قواميسنا ونواميسنا، أن من صفعنا على خدنا الأيمن لا ندير له الأيسر!

وقد علّمنا أجدادنا يا وطن
بأنّ السّن بالسن، والعين بالعين
والجروح قِصاص .. يا وطن!

ونحن أبناؤك يا وطن، على الأرض هناك، وفي كل أرض؛ لأنّنا ما نحن عليه، ولأنّنا لا نريد لما نحن عليه أن يصير لقمةً سائغة في فم الأشرار!

نقولها لله، ولك، وللرئيس: نشهد ألا وطن إلا أنت!

لا تحزن يا وطن .. لا تحزن !

التوقيع

فتيةٌ آمنوا بربّهم .. وبوطنهم!

وضع الوطن الرسالة على المنضدة أمامنا، تنشّق رائحتها، مسح بيديه على أسطرها، وتحسس بأصابعه كلماتها، ثمّ قلبها على ظهرها وكتب:

صلّوا لأجل آبائكم وأبنائكم وأصدقائكم، صلوا لأجل أن يربحوا المعركة!

وصلّوا لأجل أن يعود اليمن غير السّعيد .. سعيداً!