الإثنين 7 سبتمبر 2015 / 09:01

شهداؤنا بكم يسمو الوطن

لا لم يموتوا، وإنما تفتحت لهم أبواب الخلود فارتفعوا في طُهر جنّاتها. وكانوا قد أقسموا أن يغسلوا أرض العروبة من حثالات الزمن، وأن يرفعوا علم السلام رمزاً عالياً حتى لو كان بالدم الثمن.

ساروا من أرض الإمارات، تودّعهم قلوب شعبٍ أعطى ويُعطي شلال خيرٍ من غير منّ. وهم في الأصلِ دعاةُ عدلٍ، والحروبُ في عرفِ عروقهم من أجل إعلاء القلم. لا يميلون إلى طرفٍ على طرفٍ حتى لو كان كلاهما على حقٍ، وشيمتهم أن ينصروا المظلوم، وأن يقوّموا إعوجاج الدرب إن نزح الغافلون وتخبطت أقدامهم في مسلكٍ مغلق. وفي عرفِ الصداقة، لا فرق لديهم بين قاصيها ودانيها إذا كان الجميع يمد يد المصافحة، ويبطنُ الخير صدقاً في نواياه. ولكن حين اختلطت الراياتُ في رمادها، واندسّ الغريبُ بين الشقيقين يحملُ خنجر الغدر، واشتعلت الفتنةُ في ليل المحن. ذهبوا يلبون نداء الحقّ لأنهم سيفه، به يدحضون المكر، وبحدّهِ يبترون الباطل، ولا يرتضون بغير النصر بديلاً.

ذهبوا، ولم ترنُ عيونهم إلا لجهة العزّ يريدونه قائماً سامقاً مثل نخيل الطفولة الأولى. ذهبوا، ولم ترتفع سواعدهم إلا لتنحر فكرة الشيطان وتحزّ رقاب من والاه. ولم تطأ أقدامهم في تربة الموت، إلا لتدعس شراذم من لوثوا هواء المحبة، وصافحوا الأعداء والخونة، وتمرغّت نفوسهم الضعيفة في براثّن الغيّ. بدمٍ طاهر راحوا يكنسون الخيبة ويزرعون الشهامة على جبين الزمن. وبأرواح أرخصوها في سبيل المجد، ترفّعوا على الصغائر، وعانقوا هامة المستحيل.

ذهبوا، وكان النشيد على فمهم: نموتُ من أجل عزّكِ أيتها الحياة. ومن أجل أن يبقى رمل هذي الأرض نقياً مثلما تركته لنا سواعد الأجداد. ذهبوا بقوّة البأس ليهزموا اليأس، فهل كانوا يهابونك أيها الموت؟. وهل يهاب الموت من امتلأت قلوبهم بضوء الحقيقة، وتكحلت عيونهم بالبهاء العظيم. لا لم يموتوا، وانما نقشوا على شرف الأيام اسم شعبهم. وتركوا لعدّوهم أن يتخبط في شوك الشكوك، ويسقط مدحوراً في وحل الظلام والنكران والخيبات.

لا لم يدفنوا، وإنما رفعتهم أكف النور الى النور. وحملتهم ملائكةٌ الى عرش الشهادة، فجرى تحت أرجلهم نهر عطرٍ ترتوي منه الكرامة، وسيظل هذا النهر يسقي عطاشى النور جيلا بعد جيل. لا لم تُوارى أجسادهم في الثرى، وإنما سرى فوق رؤوسهم قبسُ فجرٍ جديد، وازدانت السماءُ بهم نجماً يعانق نجماً، واكتمل عقد الثريا. وراح يصدحُ في المدى عرس الأمل الذي بهم يبدأ، وبهم لا ينتهي أبداً، وبأسماءهم يولدُ النشيدُ من النشيد.

لا لم نفارقهم أحبتنا، فهم اليوم دليلنا في طريق الصواب. وهم خطوتنا غداً وبعد غد. فرشوا لنا دمهم على تراب الفخر فرفعناهم تيجان عزٍ على رؤوسنا. فشكراً لهم، منحونا ما نباهي به أمم السماء. وزرعوا في ضمير وجودنا نبلاً يفيض على منبع النبل ويستزيد.

شهداء الامارات، يا أخوة القلب ونبضه الدافق، يا سكينة الروح وحضنها الأول. بكم نسمو، وتحت علوّكم يظللنا الشموخ بألف غصنٍ وارفٍ وتحمينا سدود سواعدكم. اليوم تبكي العيون دمعاً حارقاً لفراقكم، لكن سرورنا أنكم من بيننا الأنقى، وفي جنّة الخلدِ أنتم الأبقى. عشنا نجاورُ بعضنا قلباً بقلب، وتفيضُ بيوتنا بحب ترابنا الواحد. وقلبنا الواحد. فان غابت أجسادُكم في الطهر، أو نحن عشنا بعدكم قليلا كي نخلّد هذه الذكرى. فان عهدنا لكم بالمحبة والوفاء لهذا الوطن، لصغيره وكبيره وقادته وأهله، هو ما يدوم الى الأبد.