الجمعة 25 ديسمبر 2015 / 22:01

التصرفات القبيحة

لست سوداوياً، وبالتأكيد هناك بعض المظاهر المبهجة من حولنا، ولكنها قليلة، وتكاد لا تُذكر. لا تعنيني السياسة، هنا، ولكن يعنيني تصرفاتنا، المرتبطة بها، وأيضاً تصرفاتنا العادية في كل يوم.

في مواقع التواصل الاجتماعي صار الكل عليماً ببواطن الأمور، كل شخص يتعامل باعتباره في معسكر والباقون في معسكر آخر، تحول الأمر إلى ما يشبه الحرب، التي يُستخدم فيها سلاح اللايك، والشير، وإعادة التغريد، والألفاظ القبيحة، في سب الآخرين، طالما أنهم ليسوا على مزاجي، أو يعتنقون أفكاراً أخرى. صار كل شخص منا خبيراً استراتيجياً يبدأ يومه بتحليل ما يجري حوله، وبالمرة "شتيمة" الآخرين الذين لا يدعمون وجهة نظره.

في الحياة العادية نمارس كل الأخطاء الممكنة، واعتادت أعيننا القبح، تلال القمامة في كل مكان، الجميع يشارك فيها، البلكونات تمطر الشارع بالأكياس السوداء، والمارة وأصحاب السيارات يلقون ما يريدون التخلص منه بدون تفكير، وعمال البلدية في كل مكان يمثلون أنهم يجمعون القمامة. بدون أن تدقق النظر سترى أن العامل لم يعد مخلصاً للفكرة، يعرف أن القمامة وحش هائل لا يستطيع هو ومئات من زملائه مواجهته، ولهذا يتظاهر بأنه يعمل، ولو نظرت فيما أنجزه سترى أنه يكتب على سطر ويترك سطوراً، وما يبدو أنه نظَّفه ملىء بالثغرات، وهذه هي الآفة التي نعانيها، أن كل شخص يقارن نفسه بما ومن حوله، ولو رأيت شخصاً كسولاً في محيط عملي ولا يتم لفت نظره أو توقيع خصومات عليه أو تهديده في مصدر رزقه سأبدأ فوراً في تقليده، ويمكننا، في المؤسسات الحكومية، أن نعطل المصالح في توقيتات الصلاة، حيث نملأ الطرقات ونفرش السجاجيد وورق الجرائد ونترك المواطنين ينتظرون حتى ننهي عباداتنا، التي نقوم بها من باب تضييع الوقت، لا من باب التقرب إلى الله.

في الطوابير نتجاوز أدوارنا ولا تعرف فعلاً كيف يمكن لشخص عاقل يمكن أن يتصرف هكذا، كيف يكون أنانياً إلى تلك الدرجة التي يرى فيها عشرات يحترمون أدوارهم بينما لا يحترم هو كل هؤلاء، في المترو يمكنك القراءة بصوت عال، يمكنك تشغيل الأغاني من السماعة الخارجية، ولا تهتم بالناس من حولك، يمكنك إلقاء قشر "اللب" على الأرض وأيضاً مناديلك الورقية، يمكنك فتح الباب عنوة بعد أن يغلق، لا تقلق، هناك في الداخل من سياسعدك على هذا، يمكنك أن تضع "باطك" الذي لم يعرف المياه ولا الصابون من أسبوع في أنف من تريد، ويمكنك أن تتجاهل المساحات الخالية أحياناً لتختار قدم أحدهم وتدهسها، وفي الشارع يمكنك أن تعبر أثناء فتح الإشارة، ولو لم تتوقف السيارة اخبطها على مقدمتها ناظراً في عيني السائق، متلفظاً بتلك الكلمات عن الفوارق الطبقية.

يمكنك أن تسير خلف الفتيات لتتحرش بهن يومياً في كل مكان، يمكنك إلقاء "البمب" على المارة لتحظى ببعض التسلية، لو ابتسمت ستصبح شخصاً غريباً في محيط رمادي، ولهذا عليك بالتكشيرة، هي الضمان لعدم اقتراب أحدهم منك، عليك أن تكون عابساً أكبر وقت ممكن، لو ألقى عليك أحدهم تحية الصباح لا ترد عليه، عليك وأنت قادم من منزلك إلى العمل أن تفكر جيداً في الحيل التي ستمارسها هذه المرة لإنجاز اليوم بأقل قدر من المجهود، فالكون لن يتغير لأنك اجتهدت وعملت، كثيرون مثلك فلماذا تتعب نفسك أصلاً؟!

في المجتمع القبيح لن يجديك نفعاً أن تكون نبتة، لأنهم سيعصفون بها، هكذا نفكر، وهكذا قررنا أن نستسلم للقبح، وأن نتفرغ فقط للتخوين والتراشق، وأن نراكم مزيداً من خبراتنا في القبح بدلاً من أن يبدأ كل واحد بإصلاح نفسه حتى نرى أملاً ولو بسيطاً في القريب.