الأربعاء 20 يناير 2016 / 23:28

حزب الله يستولي على القرار المسيحي بعد الإسلامي

أعلن رئيس حزب القوّات اللبنانية سمير جعجع، تأييده ودعمه لترشيح خصمه اللدود ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية. الإعلان كان منتظراً وإن كان غريباً بالنسبة لما يعرفه كثر عن جعجع وطريقة تفكيره في السياسة وتفضيله المبدأ على المساومة، وإن كان يعرف جيداً أن هذه المبادئ ستجعله يخسر في نهاية المطاف. لكن، الخطوة التي قام بها كانت متوقعة، كونه وجد نفسه وحيداً بعد أن قرّر حليفه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري دعم ترشيح خصم "القوّات" الأوّل وصديق بشار الأسد سليمان فرنجية.

الترشيح حصل. وضعه في السياق الطبيعي للسياسة اللبنانية هو أبسط الممكن. كان سمير جعجع الوحيد المتبقي خارج الممارسة اللبنانية للسياسة. انضم إليهم في لحظة وجد فيها نفسه محاصراً من كل الجهات. ولعلّ ما قام به، هو الفعل المفهوم والبسيط، لصد عزلة كانت آتية إليه من كل حدب وصوب، حتى ممن كانوا أشد المقربين إليه. يُطلب منه الكثير، وممنوع عليه أن يطلب. حركة الحريري مع فرنجية لم تكن حتى في هذا الإطار. حليفه الأوّل يبادر إلى ترشيح "عدوّه" القديم من دون حتى أن يستشيره أو يضعه في صلب ما يخطط له. ثُم ممنوع على الرجل أن يقوم بما لا يتلاءم مع حلفائه، أو من يدعي أنه حليفه.

الصورة اليوم تبدو متعادلة جداً إذ لا انقسام بين 8 و14 آذار. الإثنان في خبر كان. إلا أن أهمّ ما فيها، أن الاستحقاق الرئاسي ليس بيد كل اللاعبين المحليين ما عدا واحد. حزب الله. وصلت 14 آذار(سابقاً) بأهم ركنيها إلى ترشيح أكبر حليفين للحزب. كلٌّ رشّح من يحظى بقبول حزب الله. واحد تحت شعار كسر الفراغ ومزاعم تكتيك سياسي، وآخر رد للأوّل لعبه بعيداً عنه. التقى الإثنان على مرشحين يمرّان بحارة حريك كل ما أرادا التنفس. والحاكم، أي الحزب، غير آبه لا بخصومه ولا بحلفائه. لا يريد رئيساً. بعبدا من ضمن لعبة أكبر من الجميع من حوله. يريدها بسلّة متكاملة للمنطقة، ويريد سدّ الفراغ بتحقيق مشروعه في تقاسم السلطة. بالنسبة إليه، الفرصة مؤاتية لإنهاء الطائف، وبدء مثالثة في الحكم. بإمكانه أن ينتظر. بل هو الوحيد القادر على أن يحتمل وينتظر.

هذا المشهد العام. لكن، الترشيح بحد ذاته كشف ما هو أسوأ. زعيمان مسيحيان اتفقا على مرشح لموقع ماروني. زعيمان فصلت بينهما رواسب حرب عون لإلغاء الآخر لأكثر من 25 سنة. مشهد المصالحة يستحق الوقوف عنده، والترحيب به، مهما كان الوضع أو الفعل أو ما جمع الخصمين الأزليين. هذا ما لم يحصل. المشهد، كشف طريقة تفكير من الطرف المسلم أقل ما يقال فيها إنها استغلالية، لا بل، المصالحة، رسّخت واقع أن لا مناصفة في النفوس بين المسيحيين والمسلمين. هي مجرد شعار. حبر على ورق تمحوه المصلحة، هنا وهناك. في هذه الحالة، مصلحة القوى المسلمة، أسقطت أكذوبة المناصفة.

بدءاً من الحريري. ماذا فعل؟ إلى الآن رد فعله غير مرحب. ما رشح عن المقربين منه يوحي بأنه حانق على جعجع. يعني، له أن يُرشّح فرنجية عدوّ جعجع، وليس للأخير أن يبادر إلى دعم عون. علماً، الحريري نفسه، وقبل حوالي عام، ذهب بنفسه إلى ميشال عون واتفق معه على تبني ترشيحه، لا بل تحدثوا عن أكثر من ذلك. خرج بعدها عون ليكيل المديح فيه ويقول له إنه الوحيد الذي يضمن له تذكرة العودة إلى الوطن وإلى رئاسة الحكومة. اليوم، جعجع "خائن".

رئيس مجلس النواب نبيه برّي. قبل عام، قال فليتفق عون وجعجع وأنا أرحب. اليوم، حين اتفقا، سريعاً وجد طريقة للهرب. فهو يعتقد أن "الاتفاق ليس كافياً لانتخاب رئيس". يعني ما كان من سنة، أو قبل يوم الاتفاق بين المسيحيين القويين، طار ساعة اتفقا. المكوّن الشيعي الذي يمثله برّي، يتعامل أيضاً مع المسيحيين، من حلفاء وخصوم وفقاً لما يراه مصلحة له. لا يمكنه أن ينظر لما حصل في معراب مقرّ جعجع على أنه خطوة مصالحة مسيحية، قد تفضي إلى ملء فراغ يأكل من البلاد ما تبقى منها من قدرة على البقاء.

وليد جنبلاط مثلاً، لا يُحبذ أيضاً هذا الالتقاء، يراه خطراً أكثر من خصومتهما. عادة، هو ضد وصول مسيحي قوي إلى رئاسة الجمهورية. ببساطة، يخاف الأمر. يُفسر خوفه بأن القوي يجلب الويل. لكن، منذ ما بعد الطائف كل تجارب الرؤساء الضعفاء كانت فاشلة. بل كانت سيئة إلى حد أنها أذت لبنان أكثر بكثير مما يمكن أن يفعل مسيحي قوي. القوي، وطبعاً عون ليس كذلك، أقلّه لا يُسلّم قراره لقوى خارجية، وصاية تتحكم بكل مقدرات البلاد.

حزب الله. لا يهمه لا عون حليفه الأوّل، ولا فرنجية حليفه الأقدم والأوفى. ولا تهمّه رئاسة الجمهورية ولا الجمهورية. أخذ من عون ما يريد. من فرنجية ما يريد. قبلهما أخذ من المسلمين كل شيء. اليوم، بعد ترشيح جعجع لحليفه الأوّل، يقول إن الطريق إلى الرئاسة لا تزال طويلة. أيضاً، مصلحته تطغى على كل اتفاق آخر. كيف لا، إذا كان يقاتل من أجل إيران، يُعطل البلاد من أجل إيران، يحرق الأخضر واليابس من أجل إيران. فعلها بالسلاح من قبل، لن يكترث اليوم لتبعات تعطيله، ولن يكترث طبعاً لحلفائه.

المشهد، بين القوى المسلمة، سيء وطنياً. هذا الطبيعي في لبنان. المصلحة الفئوية فوق كل شيء. هذا لا يعني أن المسيحيين أفضل. الصدفة اليوم، أن المتفقين من المسيحيين، والممتعضين من المسلمين. مشهد معراب، واحتضان جعجع لعون، يُسقط قناعاً آخر. المسلمون ليسوا سوى مع الشعارات. الأفعال لن تكون لديهم ولا لهم. في هذه الحالة، الاستعلاء على المسيحيين هو السائد.