الأحد 29 مايو 2016 / 09:02

الغنوشي يبدّل جلده!

د.سالم حميد - الاتحاد

ذهبت بعض الكتابات الانفعالية من باب حسن النية وعدم قراءة الماضي إلى اعتبار أن حركة "النهضة" الإخوانية التونسية تمثل حالة متقدمة ضمن موجة تيارات الإسلام السياسي، بعد أن أعلن زعيم الحركة، راشد الغنوشي، في مؤتمرها الأخير، تحول "النهضة" إلى حزب سياسي يفصل بين العمل الدعوي والحزبي. وهذه حيلة يحاول الغنوشي تسويقها لمغازلة الغرب ولتقديم حزبه في ثوب جديد، لكنه لن ينجح عملياً في نفي المنشأ الإخواني لحركته التي يقوم فكرها على الاختلاف مع الطابع المدني والعلماني السائد للمجتمع التونسي.

أما الذين هللوا لهذا التحول (اللفظي) بما يحمله من غزل للغرب وللشارع التونسي، فغابت عنهم حقائق أساسية وخلفيات قام على ضوئها هذا الانعطاف المسرحي بقيادة الغنوشي، وهو الشهير بمحاولاته المتكررة إنقاذ الفرع الإخواني في تونس من السقوط والتلاشي، وبخاصة أن الشارع التونسي شهد بعد سقوط نظام بن علي تغول المجموعات الإرهابية في ظل حكم الترويكا التي ضمت حركة "النهضة".

عندما عاد الغنوشي إلى تونس بعد انهيار النظام السابق كان قد أمضى أكثر من عقدين من الزمن في ضواحي لندن، حيث تفرغ هناك للكتابة والتنظير ومحاولة طرح نفسه وحركته بشكل جديد يتبرأ من التطرف، لكنه فور عودته شرع في استعادة الطابع الإخواني للحركة، وشهدت تسريبات صوتية للغنوشي على تواصله الحميم مع السلفيين ومحاولة إقناعهم بالتريث وبأنه لا يختلف معهم في الثوابت بقدر اختلافه معهم حول الأولويات وسبل التمكين على نار هادئة. ويأتي الإعلان الجديد للغنوشي في هذا المسار الهادف إلى إعادة توطين الحركة في المشهد التونسي من بوابة العمل السياسي الذي يدعي فيه أن الحركة ستفارق منهجها القديم القائم على اصطفاء الذات واحتكار الدين. رغم أن المسافة الزمنية بين "النهضة" القديمة و"النهضة" في ثوبها الجديد المصطنع لا تنبئ بتحول جذري يحدث قطيعة مع الماضي القريب الذي شهدت خلاله تونس سلسلة أعمال إرهابية واغتيالات طالت معارضين علمانيين، وكل ذلك حدث في عهد الحركة الإخوانية ذاتها التي قررت فجأة التحول إلى حزب مدني، بينما لا تزال قواعدها المؤيدة للفوضى تمثل الأساس الجماهيري للحزب المدني المزعوم!

وكان اغتيال المعارضين السياسيين في ظل حكم "النهضة" قد جعل اسم الحركة وزعيمها الغنوشي مرادفين للفوضى والعنف والإرهاب. فوجد الغنوشي نفسه في مهمة صعبة لإعادة تجميل الفرع الإخواني في تونس، ولو بتبديل الجلد وادعاء تحولات جذرية. وأهم ما أعلن عنه في المؤتمر العاشر للنهضة التحول إلى حزب سياسي، بينما ستبقى الأدوات الدعوية للحركة فاعلة ونشيطة عبر أذرع نقابية ومنظمات أهلية تعمل في أوساط المجتمع التونسي بنفس الآلية الإخوانية المعتادة. وهذا يذكر بما قام به "إخوان" مصر عقب سقوط نظام مبارك عندما شكلوا ذراعهم السياسية متمثلة بـ"حزب الحرية والعدالة" بينما تم الإبقاء على جماعة "الإخوان" بهيكلها التنظيمي السابق لكي تدير الحزب والجماعة عبر المرشد ومكتب الإرشاد. أما حيلة الغنوشي فتختلف عن حيلة "الإخوان" من حيث الشكل وليس المضمون، فالغنوشي ذاته الذي قاد الحركة في مرحلتها الإخوانية هو من سيقودها في المرحلة المقبلة، لكن تحت ستار جديد. وبالطبع لا يمكن أن تحدث تحولات فكرية جذرية في تيار الإسلام السياسي الإخواني بمجرد صدور قرارات أو إعلان نوايا هدفها امتصاص غضب المجتمعات التي صارت تعلم جيداً أن الجماعات الإخوانية هي الحلقة الأولى لتجنيد الشباب ومن ثم إعادة تصديرهم للجماعات الإرهابية، بدليل أن تنظيم "داعش" يضم من تونس وحدها نحو أربعة آلاف مقاتل، معظمهم خرجوا من معطف حركة الغنوشي التي يريد إجراء عملية تجميل لتحسين صورتها بعد ما حدث من أعمال عنف واغتيالات بتواطؤ واضح من قبلها حين كانت شريكاً في حكم تونس لمدة أربع سنوات.

وليس جديداً على الإخواني التونسي، الغنوشي، أن يبدل جلده في محاولة للتكيف مع الظروف من حوله، وبخاصة أن الضغوط ضد تيار الإسلام السياسي تتزايد في المنطقة والعالم، وتبقى تبدلات الرجل غير مقنعة وبخاصة أنه عضو بمكتب الإرشاد العالمي لـ"الإخوان".