الإثنين 6 يونيو 2016 / 19:38

ضرورة " الطبقة الوسطى"

هذه الطبقة هي ثروة كل دولة بما تقدمه من خدمات للوطن وبما تتحلى به من شعور حب بديع للأرض يكرّس أسمى الطباع من صلاح واستقامة وابتعاد عن الأهواء والآراء الخاصة

تعد الطبقة الوسطى من أجمل طبقات المجتمع، فكل شيء فيها يدعو إلى الثناء والتقدير، ينخرط معظم ذويها في الوظائف المدنية الكبرى منها والصغرى، أغلبهم أكاديميون ومحامون ومهندسون ومعلمون وأطباء وساسة، ويتميزون بالعطاء والإخلاص والتفاني، وهم فضلا عن ذلك ينعمون بتأمين صحي واجتماعي واقتصادي وتعليم.. كل هذه المقومات تشيع بينهم شعور الأمن والسلامة، وتشجعهم على التمسك بالقيم والأخلاق والمبادئ، فيصبح الحرص على حب الوطن هو الرجاء والمبتغى.

وفي جميع أنحاء العالم نجد أن هذه الطبقة هي السبب الرئيسي في تمتين الاقتصاد والاستقرار عبر تفكيرها وأسلوب حياتها، ذاك انها تشمل معظم سكان الدولة، فليس كمثلهم يعملون ويصنعون باجتهاد عال ترعاه حكومة فذّة في خططها التشريعية والتنفيذية.

ولأنها طبقة تنعم بالكثير، فإن ذويها يحفظون في نفوسهم وسلوكهم التعامل بإنسانية عالية تقوم على الفضائل والقيم، لتتجلى مع الوقت القدرة على التخيل والإنجاز والإنتاج بخيال خصب.

وسيّان إن أسميناها بالمكانة أو الرتبة أو الطبقة الوسطى.. فأيّاً كان المسمى تبقى هي الدرجة التي تمنحك إمكانية العيش الهانئ، فهي المنزلة التي تأخذ الجانب الجيد من الحياة لتنبض بها، تماماً كالقلب بعيدة عن القصي موضعًا أو الحافة، ولأنها الوسطى المنجزة والمنتجة والقادرة على العيش والإدخار وتأمين مستقبلها، يتمناها الفقير لينعم ككل ذويها بالرعاية الكاملة ويستطيع الإنفاق بلا خوف ولا قلق.

هذه الطبقة هي ثروة كل دولة بما تقدمه من خدمات للوطن وبما تتحلى به من شعور حب بديع للأرض يكرّس أسمى الطباع من صلاح واستقامة وابتعاد عن الأهواء والآراء الخاصة.

ثم إن الأهم في كل ما نقول هي القوانين الموضوعة للأوطان والتي غالباً ما تدوّن لهذ الوسط أو لهذه الطبقة المهمة، فيكون من السلم عدم التمييز بينهم وبين الطبقة الأعلى منهم، إذ التمييز وارد في استخدام كلمات ربما تمر علينا دون الانتباه لها، مثل الصفوة وخيرة المجتمع والنخبة.. وكل المفردات المختارة التي لا تنادي إلا بالتباين بين الناس والتي لا نجد لها سوى الصدى السيئ في نفوس الطبقة الوسطى القادرة على اختراق الجغرافيات والثروات إذا مُنحت قيمتها الفردية والعقلية كما يجب.

ويقينًا ان القوانين قد وضعت من أجل راحة المواطن الإنسان وسلامته وأمنه.. ولكل دولة قوانين تلائمها تعمل الحكومات على تنفيذها وهي قوانين متصلة بعضها ببعض من تربية وعلوم، توضع من أجل المواطن وصلاحه.. تساويهم ببعض، لكن ما تُخرجه وسائل الإعلام من مصطلحات ومسميات تميز به المواطن عن الآخر وتبعد عنه هذه المساواة، تحتاج إلى وقفة، كي لا يستغني أفراد الطبقة الوسطى عن وظائفهم قاصدين الأعمال الخاصة مأخوذين بهذه المسميات البراقة، كما إننا في غنى عن انكماشِ طبقةٍ تعتبر العمود الفقري للوطن، كما أننا في الأصل نتداخل بين بعضنا البعض - حكومةً وشعبًا - بحب ومودة منذ بعيد وحتى الآن.

وقد يرى النابغ والأكاديمي أن طبائع المجتمع الشكلية ترهقه، ويجد نفسه مرغمًا على تحملها، تاركاً علومه وشهاداته إلى مشاريع البيع والشراء للمزيد من الداخل، ليرتقي بصاحبه أو زميله الذي لم يكمل تعليمه المدرسي، وانخرط في الجيش بأضعاف دخله، ويصبح مشروعه التجاري فوق طاقته وتؤخره عن إنجازه الإبداعي، لذا فالمساواة تقلل من الشعور بالاستياء والتمييز في مسميات وألقاب لامعة تخترقه إعلامياً ولا تأتي إلا بحاجز من التباعد والهروب من المهنة الأكاديمية العلمية التي تحتاجها الدولة.. نريد أن نبقى جميعنا سواء، بل لا تمايز إلا لأصحاب الابتكار والإبداع. كما لا نريد للفرد أن يكون هارباً من طبقته الأجمل التي يتمناها الجميع.