السبت 18 يونيو 2016 / 20:24

خرافة إخوانية اسمها "أستاذية العالم"

تعني "أستاذية العالم" في فكر جماعة الإخوان السيطرة على العالم بأسره بعد عملية متدرجة تبدأ بتربية أو تكوين "الفرد المسلم" الذي يعني في حقيقة الأمر "الفرد الإخواني" ثم "الأسرة المسلمة" و"المجتمع المسلم"، ولا تعني الأسرة هنا المعنى الاجتماعي المتعارف إنما التكوين الإخواني الذي حدده مؤسس الجماعة، وبعد هذا تأتي مرحلة الأممية، إذ إن أستاذية العالم لدى الإخوان تمر عبر إحياء الخلافة الإسلامية من وجهة نظر مؤسس الجماعة وقادتها.

وقد حدد حسن البنا ( 1906 ـ 1949) مهمة الإخوان في "سيادة الدنيا، وإرشاد الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة، وتعاليمه التي لا يمكن بغيرها أن يسعد الناس".

وعند الجماعات المتشددة، بشقيها السلفي والتكفيري الذي يمارس الإرهاب، ينقسم العالم إلى فسطاطين، أو وفق التوزع الفقهي القديم "دار إسلام" و"دار حرب"، وتعمل هذه الجماعات إلى إخضاع كل من يقع في دار الحرب إلى الإسلام، عبر الفتح، الذي ينبني على "جهاد الطلب"، وتهمل بابي "الموادعة" و"العهد" في تاريخ المسلمين.

وهنا يقول وحيد عثمان أحد قيادات تنظيم "التكفير والهجرة" في حوار أجري معه عام 1993: "إن إمام جماعة المسلمين ـ يقصد شكري مصطفى ـ قد قال إننا سنظل مستضعفين في الأرض إلى أن نرثها ومن عليها. وقد بشرنا رسول الله أن العالم سيكفر ويطغى، يقضي الكافرون على بعضهم، وتخرج جماعة المسلمين لرفع راية الدين بالرمح والفرس، وها قد ظهرت البشائر بنهاية إمبراطورية الشيوعية الظالمة، وننتظر أن تقضي أمريكا وأوروبا على بعضهم البعض، ونخرج نحن على الفرس والرمح لنصرة الإسلام، ونشره في أنحاء الأرض".

ففي نظر شكري مصطفى تمر الجماعة الإسلامية بمرحلتين: مرحلة الاستضعاف، وفيها تتم الهجرة إلى الصحراء والجبال، وتكوين "يثرب المعاصرة"، ثم تبدأ المرحلة الثانية وهي "التمكن" والتي تعني الصدام مع "الكفار" وهزيمتهم. وفكرة الانتقال من "الاستضعاف" إلى "التمكن" هي التي تحكم المسار الرئيسي لتصرفات بعض الحركات والجماعات الدينية السياسية.

وقد ولدت هذه الفكرة من سعي الدولة الإسلامية في عصور الأمويين والعباسيين والعثمانيين إلى حيازة غطاء أيديولوجي وقانوني لحركة التوسع وتنظيم علاقتها بالعالم، ورغم تقادم الزمن فإن الجماعات المتطرفة لا تزال تتمسك بتلك الرؤية مع أنها أصيبت بالعجز عن استيعاب كل فعاليات المجتمع الإسلامي مع مرور الوقت، وأضرت بعالمية رسالة الإسلام التي ينص القرآن على أنها "رحمة للعالمين".

وتنطلق هذا الفكر من اعتقاد عام بأن الأمة الإسلامية يجب أن تسود البشرية وتقودها من جديد، وهنا يقول سيد قطب: "لا بد من بعث لتلك الأمة التي وراها ركام الأجيال، وركام التصورات، وركام الأوضاع، وركام الأنظمة، التي لا صلة لها بالإسلام، ولا بالمنهج الإسلامي، وإن كان ما تزال تزعم أنها قائمة فيما يسمى العالم الإسلامي".

لهذا تقوم جماعة الإخوان وغيرها بنكأ "جرح الكبرياء" وتستدعي مواقف للقوة والعزة في تاريخ الإمبراطورية الإسلامية، بمختلف مراحل تطورها التاريخي، وتقرر دراسة بعض الكتب التي تؤكد أن عودة المسلمين ليقودوا العالم بات ضرورة مثل كتاب أبو الحسن الندوي "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"، ثم تطلق نظرة متفائلة بأن الآتي لهم، مثل ما جاء في كتاب سيد قطب "المستقبل لهذا الدين"، الذي يشرح فيه الإسلام كـ "منهج حياة"، ثم يبين كيف انفصلت الأديان السابقة عن الحياة، وتم تكييفها مع متطلبات السياسة المتغيرة، بما أدى أدى إلى "فصام نكد"، ليطرح الإسلام طريقا لإنهاء سيطرة الرجل الغربي على العالم، ومواجهة الخطر الذي يهدد البشرية في ظل طغيان الحضارة المادية، وبذا يصبح المستقبل لهذا الدين وبه.

وحتى تتم هذه العودة، ويأتي ذلك المستقبل، تنتهج الجماعات الدينية السياسية سبلا عديدة، وتتبنى رؤى كثيرة، تختلف من واحدة لأخرى. ولدى جماعة الإخوان ترتبط العودة، التي ستنتهي بأستاذية العالم، بتكوين تنظيم قوي، يتنبى رؤية "شاملة" للإسلام، ويصبح الدخول إليه واجبا، والخروج منه إثم عظيم. وقد ألف بعض أعضاء الجماعة أناشيد عديدة تدور حول هذا المعنى منها: "ملكنا الدنيا قرونا .. وأخضعها جدود خالدونا".

وعند الجماعات والتنظيمات الجهادية نجد علاقة بدرجة ما بين فكرة السيطرة على العالم، بعد تقسيمه إلى "دار إسلام" و"دار حرب" وبين فكرة "الولاء والبراء" الذي يمثل ركيزة أساسية لدى التيار السلفية الجهادية، ويعني بشكل عام، موالاة المؤمنين ونصرتهم، والتبرؤ من الكافرين ومعاداتهم، وهو لديها لصيق بالعقيدة الإسلامية، بل بشكل في رأيها معيارا رئيسيا لإيمان المسلم والتزامه بالإسلام.