الخميس 21 يوليو 2016 / 19:03

مسلسلات الإثارة النفسية بين يسرا وغادة عبد الرازق ونيللي كريم

فوق مستوى الشبهات في بنائه لشخصية بطلة العمل، وفي صياغة الأحداث، جعل التشويق بديلاً للغموض واستبدل عامل التعاطف مع البطلة، بحالة من الاستفزاز والغضب من التحولات الغريبة والتناقضات العجيبة والازدواجية المريضة التي تحياها البطلة

للمرة الأولى وفي موسم واحد نرى هذا الكم من الأعمال التلفزيونية التي تستهدف الإثارة النفسية من خلال معالجة قصص ترتكز على اعتلال الشخصيات الرئيسية للعمل وعلى الحالة النفسية المضطربة لتلك الشخصيات، ومن خلال هذه المعالجات، نرى الخطوط الدرامية للعمل تسير في خط تصاعدي يجمع بين الإثارة وغموض سلوكيات وأخلاق البطل الرئيسي للعمل والحالة النفسية والعاطفية والوجدانية غير المستقرة والتي تؤدي إلى صناعة الحدث والتشويق.

والأعمال التي أخذت هذا الاتجاه وأعني الإثارة النفسية وغموض تاريخ البطل الرئيسي للعمل، الذي يؤدي إلى صدمة الجمهور بسلوكه الدموي أو العنيف هي:

الخانكه الذي تقوم ببطولته غادة عبد الرازق، وفوق مستوى الشبهات الذي تقوم ببطولته الفنانة يسرا، أما العمل الثالث فهو سقوط حر للفنانة نيللي كريم.

في الخانكة نرى بطلة العمل أميرة أنثى جميلة ومتحررة تعيش الحياة وفقا لرؤيتها ، متجاوزة الأعراف والعادات والتقاليد ، ولكنها وفي أول اختبار لها حينما تواجه تلميذاً حاول التحرش بها ، تظهر جانباً عنيفاً وعدوانياً جداً، وبالرغم من أن العمل لم يقدمها كشخصية معتلة أو مريضة نفسية، وبالرغم من أن لجوءها إلى مصحة للأمراض النفسية هو حيلة احتال بها محاميها حتى يجنبها السجن، إلا أن العمل يعتمد على فكرة الإثارة النفسية لبناء الأحداث بالتشكيك في تصرفات البطلة، لا سيما وهي تلجأ للانتحار في محاولة أخرى للهروب بعد وفاة والدتها وجميعها للزج بالعمل في عالم الإثارة النفسية والاضطراب .

العمل الثاني وهو سقوط حر تدور أحداثه حول ملك التي تقوم بدورها الفنانة نيللي كريم، وهي أم وزوجة تعاني أيضاً اضطراباً نفسياً، أدى بها إلى الإيحاء بأنها ارتكبت جريمتي قتل، والبناء الدرامي للعمل، أخذ جانب الغموض في حقيقة ارتكاب البطلة لجريمتي القتل أم لا، ببروز مؤشرات أخرى لاضطرابات نفسية يعاني منها زوج أخت القاتلة (ملك) في العمل والذي يؤدي دوره الفنان (أحمد وفيق) والذي اتضح أنه من ارتكب جرائم القتل في نهاية العمل.

العمل الثالث وهو فوق مستوى الشبهات، يتناول قصة رحمة التي تحمل درجة الدكتوراه في التنمية البشرية والمرشحة لمنصب عضو برلمان، والتي قتلت طبيباً نفسياً، لأنها شعرت بأنه يهدد مستقبلها المهني، لأنه يعرف ماضيها المظلم والغامض والمضطرب والذي بنت حياتها الجديدة وهي تحاول الهروب منه وبكل ما يربطها به.

ويبدو أن نجاح غادة عبد الرازق في مسلسل حكاية حياة والكابوس، كانا دافعاً لها لكي تقدم هذا العام فكرة الإثارة النفسية ولكن بمعالجة أخرى، أما نيللي كريم فلقد عادت في هذا العمل من خلال فكرة المؤلفة مريم نعوم لكي تكون في نفس محطة النجاح الذي انطلقت منه في سجن النساء، لأنها من خلال الخطوط الدرامية، تقدم الكثير من صور العنف ضد المرأة والذي أدى إلى اكتظاظ المصحات النفسية بهن جراء ظلم اجتماعي واضطهاد وتمييز أدى إلى سقوطهن صريعات المرض النفسي في بناء درامي فاشل جداً، وقصص تم الزج بها لتقديم صور المظلومية دون أية خدمة تذكر للخط الدرامي الأساسي للعمل.

العمل الأكثر نجاحاً في المعالجات الثلاث هو: فوق مستوى الشبهات، لأنه كما يبدو لم يضع صانعوه في اعتبارهم أي نجاح سابق، بل إن بطلة العمل يسرا كانت مفاجأة بكل المقاييس، أبدعت وأجادت وتفوقت على نيللي وعلى غاده عبد الرازق وهي تقدم دوراً لم تقدمه طوال حياتها المريضة النفسية التي لا تظهر اعتلالها النفسي ولكن تبدو أمام الآخرين بأفضل حالاتها لكي تمارس في الخفاء كل الشرور بطريق الاحتيال والنصب والإجرام، وقدمته بأداء مبهر يصل إلى درجة الإبداع. لقد جسدت يسرا بأدائها ما أراد العمل أن يوصله للمشاهد وهو أن الكثير من الشخصيات التي تحيط بنا لا تكشف عن اعتلالها النفسي وعدم سويتها.

وبالرغم من أن العمل يتبنى فكرة الصور الزائفة والأقنعة التي يرتديها البعض من أجل التحايل على الاخرين إلا أن عبقرية يسرا في الأداء حولت العمل إلى حالة أخرى وهو الإثارة النفسية التي تعتمد على الحدث والمؤدي للدور. فيسرا بأدائها المتقن والمبهر جعلتنا نرى المرض النفسي بطريقة أخرى غير تقليدية، وغير متوقعة وغير نمطية ساعدها على ذلك نص مكتوب بطريقة جيدة بعكس نص سقوط حر الذي اعتمد على الحشو والمبالغة.

لذا فإن فوق مستوى الشبهات في بنائه لشخصية بطلة العمل، وفي صياغة الأحداث، جعل التشويق بديلاً للغموض واستبدل عامل التعاطف مع البطلة، بحالة من الاستفزاز والغضب من التحولات الغريبة والتناقضات العجيبة والازدواجية المريضة التي تحياها البطلة فكان أداء يسرا للشخصية هو رهان النجاح.

أما غادة عبد الرازق ففي رأيي هي قدمت واحداً من أسوأ أدوارها، لم يصنع المؤلف حالة تعاطف ولا حالة استفزاز، نحن نشاهد بطلة لا نتفاعل معها، لا نحبها ولا نكرهها.

نيللي كريم قدمت دورا جديداً قديماً، هي في العام الماضي مدمنة مخدرات تعاني، وهذا العام هي تعاني من اضطرابات في الطفولة وتزمت في تربيتها وفي التنشئة الاجتماعية، جعلها تفقد القدرة على مواجهة الحياة، وليس هنالك فرق كبير في أدائها للدورين.

وكان دورها الأسوأ هذا العام، الأمر الذي يجعل فوق مستوى الشبهات متفوقاً في المعالجة والطرح وفي أداء البطلة الذي صنع الإثارة النفسية المطلوبة في مثل هذه المعالجات التلفزيونية الجديدة على الدراما العربية وعبقرية يسرا يجعلها في منافسة حقيقية مع فنانين عالميين قدموا هذه النوعية من الأدوار.