الثلاثاء 30 أغسطس 2016 / 19:00

القرشُ من بن علي إلى الغنوشي

بعض الفئات الأخرى من المطربين أطلقوا لحيتهم تقرباً من سلطة الغنوشي، وبعض الفنانات أردن ارتداء الحجاب ليصرْن قريبات من النهضة الإخوانية، ومن قلب الشيخ الذي يعشق كل جميل

1-
في الأيام الموالية لاشتعال اللهيب في جسد أشهر الشبان المنتحرين العرب المسمّى محمد البوعزيزي، يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) 2010 في مدينة سيدي بوزيد، وبعد وصول الجسم المحترق الى المركز الطبي لمعالجة حروق بليغة، كان الرئيس التونسي زين ألعابدين بن علي يتوجه الى مطار تونس الدولي، بصحبة ابنته وبأمر منها لاستقبال البطل الأولمبي السبّاح أسامة الملولي الملقب ب "القرش " . .

وسُجِّلت هذه اللحظة مثل علامة فارقة تقول:
إنّ نظام الرئيس بن علي قد أشرف على الهلاك، وبدل أن يتوجَّه الى المستشفى لزيارة الشاب العليل، شد الطريق إلى المطار لاستقبال ما قيل إنه صهره الافتراضي، خاصة وأن بنت السيد الرئيس غارقة في بحر من عشق للسبّاح الذي ما انفكّّ يحصد الميداليات الذهبية في المحافل الرياضية العالمية . .

2-
كان لأسامة الملولي سحره الخاص، فهو بطل أولمبي عالمي، وحطم أرقاماً قياسية كثيرة في مجال السباحة مما أهّله ليكون سلطة أولمبية، ولتكون صداقته مرغوبة من قبل الجميع .
ومن المعروف أن السلطة السياسية تعشق السلطات الأخرى في كل المجالات مثل الفن والرياضة والتمثيل والغناء والعلوم والشعر والآداب فهي تريد صداقتها وترغب في أن تسرق ما تيسّر من أنوارها، لا لشيء إلا تأكيدًا لها، وانتصاراً لنرجسٍ كامنٍ في بنيتها الأصلية .
هكذا كان أسامة في عين بنت الرئيس بن علي عندما كانت نجمة أسامة عالية في سماء الأولمب.

3-
ولا بد لكل نجم من أفول، وكانت الألعاب الأولمبية الأخيرة امتحاناً صعبا حين فشل في الفوز بميداليات جديدة وتحطيم أرقام قياسية في "ريو" البرازيل 2016.
   
وهذا هو حال النجوم في "المجتمع البَدَنِي" مثل الراقصين، وملكات الجمال، والملاكمين، والسباحين، وباقي أولئك الذين يعولون على البدن .

فهم محدَّدون بعامل السّنّ، ولكن يظلون حاملين لبقية من بريق في حالة الأفول كما هو حال أسامة الملولي في "ريو".

4-
خلال لحظة الانحدار هذه في مسيرة أسامة الملولي الفتى السبّاح الأمهر( القرش سابقاً) وقد كان في ضيافة سلطة بن علي أيام الانتصار، ونزل إلى حضن جديد هو أمير الإخوان المسلمين في تونس ولاعبهم الدولي الأوّل: راشد الغنوشي .

5-
وفي الأيام الأخيرة، كان راشد يريد أن يستقطب السلطات الناجحة أو التي ترنو إلى النجاح من أجل قول كلمة واحدة هي أن راشد الغنوشي يتمتع بروح رياضية عالية، حتى أن أسامة الملولي نفسه خرج بعد اللقاء بالغنوشي بانطباع سجل فيه انبهاره باهتمام الشيخ بالرياضة والرياضيين،
وكل هذا يتم لأنّ الغنوشي اتخذ قراراً لا رجعة فيه بأن يلتفت الى الفئات الأقل تسيّساً، والأشخاص الأكثر طمعاً في سلطة قد يعطيها أو يأمر بمنحها، أو يوصي بمنحها، أو لاختبار منسوب الطمع عند الناس .

بل إن بعض الفئات الأخرى من المطربين أطلقوا لحيتهم تقرباً من سلطة الغنوشي، وبعض الفنانات أردن ارتداء الحجاب ليصرْن قريبات من النهضة الإخوانية، ومن قلب الشيخ الذي يعشق كل جميل.

6-
إن مواقع التواصل الاجتماعي لا ترحم هذه الفئات الشعبية من الطرفيْن الطماعة في ودّ الغنوشي: الإخوانيّ من جهة والمناوئ للإخوان من جهة أخرى.

فالإخوان يَرَوْن أن الرياضيين أقوياء في الجسد ولكن دينهم رقيق، ويمكن أن يغلظ، والشيخ متسامح في كل حال مع هؤلاء الذين يعرف حدودهم، ولكنه يقدّر إشعاعهم، والإخوان يعرفون في قرارة أنفسهم أن هؤلاء متملقون ويرغبون في النجاة والفوز من خلال التقاط صورة مع الشيخ الإخواني الذي تطوّر وتطوّر حتى تصوّر أن صورته سوف تلمع مثل أطماع النجم .

7-
هل ترك الشيخ الإخوانيُّ شيئاً لم يفعله من اجل أن يراه الناس متطوّراً ويحب الرياضة ؟
ألم يكتب أسامة الملولي في حسابه الفيس بوكي ما يدل على الانبهار بشخصية الرجل الذي لا يفهم في أمور الإخوان المسلمين فقط ، بل يفقه حتى في أحوال الرياضة و الرياضيين.

8-
وإذا سأل سائل عن سر علاقة الغنوشي بالرياضة والرياضيين، فإن الجواب سهل إذا تذكرنا أن الأخير قد شجع السلفيين على القيام بتمارينهم الرياضية في مخيماتهم الكشفية، كما إنه هو نفسه يمارس الرياضة السياسية والتزحلق على مواقف الإخوان والقفز فوق الحبل مع محاولة تسجيل الأهداف في شباك الفهم، من أجل تعديل الصورة السلبية عن الإخوان، والقول إن الانتخابات القادمة سترشح الغنوشي للجنة الأولمبية التونسية لكسب سباق الرئاسة، فجمهور الفئات التافهة من النفوس الضعيفة تطمع في رضاء الشيخ الذي لا يكف عن الترويض السطحي للسياسيين والرياضيين .

9-
لن يرحم أحد أسامة الملولي، وقد عاد بلا أوسمة أو ميداليات، فلحظة العودة من "ريو" قاسية كالحياة، ولن يلتفت إليه أحد طالما أن رقبته خالية من ميداليات أولمبية .

وفي لحظة ضعفه هذه يستقبله أو يُقاد الى رئيس خفيّ في تونس. ولكن البطل التراجيدي قد يذهب بقدميه الى راشد الغنوشي علّه ينال من كرامات موهومة، فقد تعود الاخير على الرياضة والرياضيين، كما تمرّن على الرشاقة السياسية بما تعنية من تقلّب وانقلاب .