الروائية الفلسطينية مايا أبو الحيات (أرشيف)
الروائية الفلسطينية مايا أبو الحيات (أرشيف)
السبت 10 أغسطس 2013 / 13:28

مايا أبو الحيات لـ 24: الكتابة الحقيقية تخرج من تفاصيل الناس

ترى الروائية الفلسطينية مايا أبو الحيات، أنّ النص الحقيقي يجب أنّ يخرج من تفاصيل الناس، وألا يتعالى على يومياتهم وتفاصيلهم الأقل من عادية، معتبرة أنه من هنا تكون عبقرية النص التي تصنع من كل هذا فضاء جديداً، ومساحة موازية للتفكير والتعمق.

وجودنا كفلسطينيين تحت الاحتلال لا يمنحنا رفاهية التغاضي عن آلام الآخرين

في الكتابة للأطفال هناك مئة رقيب على نصي أولهم الشعور بالمسؤولية

وفي حوار مع 24 تتحدث مايا أبو الحيات، عن بداياتها مع الكتابة، عن المدن وتأثيرها على النص، عن الأم والكاتبة، عن تجربتها الجديدة مع التمثيل ومواضيع أخرى.
 
وعن ما يشكّل الهاجس الوجودي في كلّ نص تكتبه، تقول: "هاجسي الأساسي هو التواضع في النص، التواضع كفلسفة للوجود الناقص دائماً، وأعتقد أنه في اللحظة التي ستظهر العضلات في نصي سيكون علي التوقف عن الكتابة".

وُلدت مايا أبو الحيات في بيروت عام 1980، لأم لبنانية وأب فلسطيني من مدينة نابلس، وعاشت ما بين بيروت وعمّان التي قضت فيها 11 عاماً وتونس ومن ثم عادت إلى نابلس، وفيها حصلت على اللقب الأول من جامعة النجاح في موضوع الهندسة المدنية في العام 2003، ومنذ أكثر من عامين، تعيش أبو الحيات مع زوجها وأطفالها الثلاثة في القدس المحتلة.

وتعتبر أبو الحيات من الجيل الجديد للرواية الفلسطينية، في رصيدها ثلاث روايات: "حبات السكّر" (2003، بيت الشعر الفلسطيني)، "عتبة ثقيلة الروح" (2001، منشورات مركز أوغاريت الثقافي) وأخيراً صدر لها عن "دار الآداب" روايتها الثالثة بعنوان "لا أحد يعرف فئة دمه" (2013) الحاصلة أيضاً على منحة "آفاق - صندوق الثقافة العربي" لعام 2011.

وفي الشعر لها مجموعتان: "ما قالته فيه" و "تلك الإبتسامة.. ذلك القلب"، أما في قصص الأطفال، ففي رصيدها: "قصة قبل النوم" و "وليد".
وتالياً نص الحوار:

متى قررت أن تصبحي كاتبة؟ وكيف بدأت هذه العلاقة مع النص؟
لم أقرر أن أكون كاتبة، الكتابة كانت دوماً بالنسبة لي الوسيلة الوحيدة لتصديق ما يحدث، ثم تحويل كل ما حدث إلى قصص من وحي اللاوعي، قد تكون حدثت فعلاً وقد تكون محض خيالات.

بدأت الكتابة وأنا في سن صغير جداً حتى قبل تعلم الكتابة، لكنني انتبهت أنّ كل ما أكتبه ليس أكثر من لا شيء بالنسبة لكل ما كُتب وعندما انتبهت بدأت الكتابة الفعلية أعتقد أنني كنت في العشرين من العمر عندما كتبت مخطوطة لرواية قصيرة، لم تكن بالجيدة لكنها كانت تمريناً لصوتي الروائي الذي بدأ بالتشكل منذ ذلك الحين.

عشتِ طفولة وحياة بين مُدن عديدة، كيف أثر هذا التنقل على روايتك وقصيدتك؟
أعتقد أنّ هذا أكسبني ضيق الصدر، والشعور المتواصل بالملل والحاجة إلى البتر، لأنني تعودت منذ الطفولة أن الأشياء ستنتهي عند حد ما، وأن كل ما أحياه مؤقت، علاقاتي وأشيائي وعلاقتي مع المكان، أنا الآن في حالة انتظار للبتر القادم والبداية من جديد.

في الرواية يبدو هذا الأمر جلياً في أسلوبي الكتابي ربما. فأنا دائمة التنويع بالأصوات والأسلوب السردي لأنني ببساطة أشعر بالملل. وربما لهذا أيضاً أتنقل من نوع أدبي إلى آخر. النص النهائي لا يعنيني كثيراً، فأنا أكتب من أجل الحالة الكتابة ذاتها والمتعة الآنية التي تمنحني إياها.

يتميز نصك، الرواية والقصيدة، بحضور مفصل، مُبسط وعميق للتفاصيل. لماذا؟
أعتقد أنني اكتشفت – حديثاً- أنّ النص الحقيقي يجب أنّ يخرج من تفاصيل الناس، أن لا يتعالى على يومياتهم وتفاصيلهم الأقل من عادية، ومن هنا تكون عبقرية النص التي تصنع من كل هذا فضاء جديداً ومساحة موازية للتفكير والتعمق. لا أستطيع أن أفهم نصاً مبهماً واستعارات ميتة لا تعني أحداً. ربما هذا ما فعلته بي الأمومة، الانتباه إلى التفاصيل التي كنت أتعالى على التفكير بها في السابق.

أنتِ أم لثلاثة أطفال، ما هي منطقة الالتقاء بين مايا الأم والكاتبة؟
لم أعش الأمومة كفكرة جدية حتى الآن، أعتقد أنّ الأطفال منحوني شعوراً مهماً بالارتكاز، وأنني أنتمي لبقعة ما على هذه الأرض هي التي تمنعني من الانفلات الكامل عن مدار الوعي.

ماذا منحت الأم للكاتبة والكاتبة للأم؟
الأمومة فعلاً منحتني فرصة للانتباه أكثر، والتسامح والتفهم، واختلاق الأعذار. الكتابة منحت الأمومة بعداً جنونياً بعيداً عن الرتابة التي أعتقد أنها تقتل الأمهات إن استسلمن لها. تحدث المصيبة في اللحظة التي ننتبه أننا استسلمنا واستسلمنا كثيراً.

بالإضافة إلى الرواية والقصيدة، تكتبين قصص الأطفال، لماذا قررت احتراف هذه المساحة؟ وبما يتميز جمهور الأطفال من القراء عن غيره؟
الكتابة للأطفال مساحة أخرى للعب ومحاربة الملل. لكن ربما هذه المنطقة تحديداً هي المنطقة التي أفكر بها بجدية أكثر من بقية تلك المناطق. فأنا في الرواية والشعر لا أهتم كثيراً للآخرين وأشعر أنني أكتب لنفسي أولا. في الكتابة للأطفال هناك مئة رقيب على نصي أولهم الشعور بالمسؤولية لهذا لا أعتبر نفسي قد كتبت نصاً مميزاً للأطفال بعد. وأنا بحاجة لقتل كل هؤلاء للخروج بالنص الذي سيرضي طفولتي.

الأمر الذي أفخر به هو عملي مع الأطفال وقراءتي للقصص لهم في مناطق مختلفة، هذه مساحتي الخاصة بالتحول إلى شخص طبيعي منفلت وحر كما أحبّ أنّ أكون وكما لا أستطيع أنّ أفعل دائماً لأنني جبانة ببساطة.

في أحد الحوارات الصحافية معك، تحدثتِ عن شعورك تجاه روايتك الأولى "حبات السكّر"، بأنك غير قادرة على قراءتها الآن لأنها "غريبة". ما الذي يُشعرك بالغربة؟
هي مشاعر تشبه ربما عودة الموتى إلى الحياة. أرتبك كثيراً من نصوصي المنشورة وأحيانا أشعر بالخوف أو الخجل أو الفرح الزائد المخيف أيضاً.

تحدثتِ كثيراً عن ثنائية القمع؛ السياسي والاجتماعي؛ الاحتلال والمجتمع الذكوري. ما هو دور الأدب الفلسطيني، في هذه المرحلة، إزاء هذه المعادلة القمعية؟
الإنسان هو ذاته في أي مكان على وجه الأرض ما يختلف فقط هي الألوان في الخلفية، ووجودنا كفلسطينيين تحت الاحتلال لا يمنحنا رفاهية التغاضي عن آلام الآخرين، لأن ألمنا أكبر مثلاً. في روايتي الجديدة "لا أحد يعرف فئة دمه"، تستطيعين أن تري القضية الفلسطينية كاملة لكن تم إخضاعها بالكامل لسرد قصة الأفراد في الرواية وليس العكس.

القصة قد تحدث في أي مكان لكن شرطها (الاحتلالي) سيختلف من مكان إلى آخر. إنّ تأثير الاحتلال الرئيسي هو في تحكمه في احتياجات الناس اليومية. لا يخرج كلّ الفلسطينيين في المظاهرات ولا يتعرضون جميعاً للاعتقال أو الاستشهاد لكنهم جميعاً يخضعون لنظام قمعي ظالم واحد وهذا النظام يتحكم في حياتهم وتفاصيلهم اليومية حتى إن لم ينتبهوا في لحظة ما إلى ذلك. أنا أكتب عن الاضطهاد الصادر عن أي قوة مهيمنة، أحياناً يبدو ذكورياً لأن حتى النساء اللواتي يمارسن الاضطهاد يفعلن ذلك لأنهن تعرضن لذات الاضطهاد الفكري والاجتماعي في السابق.

خضت أخيراً، تجربة التمثيل من خلال مشاركتك الفنان إسماعيل دباغ في المسلسل الرمضاني بعنوان "باب العامود"، ما أهمية هذه التجربة؟ وماذا أضافت لك كإنسانة وككاتبة؟
تأتي أهمية هذا المسلسل من محاولته لكسر الجمود والتنميط في صورة القدس في ذهن الناس، الفلسطينيين والعرب أيضاً. القدس التي يُنظر إليها كمركز ديني ونقص جغرافي في خارطة الأمة العربية تم تغييبها إنسانياً على مدى السنوات السابقة وهذا التغييب خلق فجوة كبيرة بين الحقيقة والمتخيل عن القدس.

الأمر الذي أعتقد أنّ مسلسل باب العامود قام بتضييقه من خلال سرد تفاصيل لحياة عائلة بسيطة تعيش حياتها في حارة السعدية يوماً بيوم. وهي تثبت ما قلته سابقاً بأنّ تأثير الاحتلال هو في تدخله في احتياجات الناس اليومية حتى إن لم ينتبهوا إلى ذلك كما يحدث كثيراً مع حسن وحسنية أبطال المسلسل. وأعتقد أيضاً أنه لا بد للفلسطينيين من تقديم لغة درامية وأدبية وبصرية خاصة بهم بعيدة عن إملاآت الآخرين وهذا ما يميز العمل الذي أُنتج ونفذ بالكامل محلياً وداخل القدس.

ككاتبة أدخلني المسلسل إلى بيوت الناس وعقولهم، ورغم أنني أخاف في العادة من هذه المواجهة التي تبدو مخيفة لشخص يخلق شخصياته ويسجلها ويتعامل معها على الورق، إلا أنه أيضاً أخضعني للنظر في عيون الناس في حارة السعدية وأزقة باب العامود وفي وشوارع القدس والابتسام والشعور بالفخر للانتماء لهذا المكان، الأكثر من جغرافيا والأعمق من تاريخ، فهو يحدث الآن في كلّ لحظة.