رسم تعبيري.(أرشيف)
رسم تعبيري.(أرشيف)
الإثنين 30 يناير 2017 / 19:14

مختلون يعتلون المنابر

المختلون الذين يعتلون المنابر لا يجدون غضاضة في التجني على النص الرباني، والتطاول على إنسانية الإنسان باسم الدين، وهم بذلك يعززون ما تروج له الدوائر والجهات المعادية للإسلام والمسلمين

كتبت قبل أشهر عن إمام مختل يؤكد قرب مجيء المهدي المنتظر الذي سيهبط على الأرض بمركبة فضائية، وكنت أظن هذا المعتوه وحيداً ومتفرداً في هذا الهذر المضحك الذي يجد من يصدقه، لكن ظني لم يكن في محله، فقد وصلتني مقاطع فيديو لشيوخ آخرين يعتلون المنابر ليقدموا وجبات طريفة من الفتاوى الغريبة.

من هؤلاء شيخ توحي لهجته بأنه من الأردن أو فلسطين ويدعي الناطق باسم المسلمين السنة، وقد اعتلى المنبر ليخاطب الأمة ويؤكد أن "دولة الإسلام لا بد أن تكون مؤهلة للتوسع والتمدد، ولذلك فإن معركتنا الأساسية هي مع الروم، مع الفرنجة، مع بيزنطة، مع أمريكا وأوروبا. أما موضوع روسيا والصين فإننا لا نحسب لهم حساباً، وأنا متفائل بأن الصينيين سيدخلون الإسلام استجابة لكتاب من أمير المؤمنين، لأنهم عقلاء، أما الروس فإنهم عنيدون، ولذلك فإن (خبطة) على روسيا تحرر موسكو من القيود السوفياتية والبلشفية والقيصرية والبوتينية... ولا تخافوا من النووي الأمريكي لأن الملائكة تمتلك مضادا للنووي!"
في أقل من ثلاث دقائق وضع الشيخ المختل خطة هزيمة الغرب والشرق، وحسم بأن دولة الإسلام، كما يراها فضيلته، ستهزم الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين. لكنه لم يشر إلى إسرائيل إطلاقاً في خطبته العصماء، ربما لأنه لا يراها عدواً، أو لأنه يعتبرها كياناً صغيراً لا يستحق الإشارة إليه في هذه الخطبة الاستراتيجية المكللة بالانتصار في الحروب الكبرى.

مقاطع أخرى جعلتني أدخل في نوبات من الضحك الهستيري، تضمنت أجزاء من خطب وتصريحات لشيوخ آخرين، منهم إخواني معروف يقول في درس ديني متلفز إن هتلر، عندما أراد أن يعبئ الشعب الألماني استعداداً للحرب، بدأ حديثه لشعبه بالقول: اقتربت الساعة وانشق القمر..ويبدو أن استحضار ما قاله هتلر ليس تخصصاً يحتكره شيوخ السنة فقط، لأن أحد شيوخ الشيعة يذكر أيضاً أن إحدى قواعد الجيش الألماني تعرضت، خلال الحرب، لحصار الحلفاء، وأرسل قادة المعسكر الألماني المحاصر رسالة إلى زعيمهم طلباً للإمداد وفك الحصار، فرد هتلر على طلب الاستغاثة بالقول: تذكروا الحسين وأهل بيته وأصحابه.. ويؤكد سماحته بأن "ثكنة الألمان ثبتت وانتصرت باسم الحسين بن علي"!

في لقاء تلفزيوني آخر يقول شيخ شيعي إن أهم مدينة في ولاية كاليفورنيا الأمريكية هي "سان هوزين"، ويمضي في هذره ليقول إن "سان هوزين" هي في الأصل "القديس الحسين" نسبة إلى الإمام الحسين بن علي عليه رضوان الله".

شيخ آخر ينهمك على المنبر في حساب عدد الحوريات اللواتي يكن من نصيب المؤمن في الجنة، ويبدو متواضعاً في حسبته لأنه يقدر عددهن بحوالي خمسمائة فقط، بينما يؤكد شيخ آخر أكثر حماسة للحوريات بأن نصيب المؤمن ثمانون ألف حورية، ويزيد بأنهن جميعاً ماهرات في الرقص!!

كل ذلك طبعاً هذر لا سند له في القرآن الكريم، لكن المختلين الذين يعتلون المنابر لا يجدون غضاضة في التجني على النص الرباني، والتطاول على إنسانية الإنسان باسم الدين، وهم بذلك يعززون ما تروج له الدوائر والجهات المعادية للإسلام والمسلمين سواء أولئك المتسربلون بثوب الجهاد الكاذب في داعش والنصرة وغيرهما، أو المتسلقون على الدين في جماعة الإخوان أو المذهبيون الناطقون زوراً باسم الطائفة في الحشد الشعبي العراقي والجماعة الحوثية في اليمن.. أو النظم والدوائر الاستخبارية الموجهة لكل هؤلاء من واشنطن وتل أبيب وطهران.

هؤلاء يواصلون اعتلاء المنابر، بينما حكومات الدول تواصل الدعوة إلى تطوير الخطاب الديني، لكنها توفر لهم الحماية، وتستجيب لرغبات المختلين والموتورين فتحاكم الوعاة وتحبسهم.
حسبنا الله ونعم الوكيل.