الإثنين 20 مارس 2017 / 14:11

التعليم في "الطفولة المبكرة".. بين علم النفس والتطبيق

24 - إعداد: علياء شاهين

تعتبر الطفولة المبكرة الفترة الممتدة من نهاية العام الثاني وحتى الخامس (أو السابع بحسب بعض العلماء) من عمر الطفل، وتم اختيار اسم الطفولة المبكرة تبعا للأساس البيولوجي النمائي، وتعد هذه المرحة من أهم المراحل في حياة الإنسان وفي هذه المرحلة تبدأ عملية التنشئة الاجتماعية وإكساب القيم والاتجاهات، والعادات الاجتماعية ويتعلم فيها التمييز بين الصواب والخطأ وإن كان لا يفهم لماذا هو صواب أو خطأ.

وبحسب ما ذكره كتاب "نظريات الشخصية"، للباحث عبد الرحمن محمد السيد، فإن كل المنظرين وعلماء النفس تقريباً أجمعوا على أن هذه المرحلة في غاية الأهمية فمدرسة التحليل النفسي مثلاً ركزت على هذه المرحلة تركيزاً بالغاً ففرويد يرى أن شخصية الفرد تتكون خلال الخمس سنوات الأولى والتي تشكل مرحلة الطفولة المبكرة منها ثلاث سنوات يعتبرها من مراحل النمو الحرجة التي تشكل خبرات الطفولة فيها شخصية الفرد.

ويقول السيد: "كذلك اهتمت أنا فرويد بهذه المرحلة غير أنها قالت بأن خبرات الطفولة تعتبر مشكلات حاضرة بالنسبة للأطفال، كذلك نظريات لعلماء مثل هورني وفروم وسوليفان وأريكسون أشاروا فيها إلى أهمية الطفولة المبكرة، فمثلاً سوليفان وأريكسون يرى المراهق السوي هو الطفل الذي مر خلال طفولته بنمو سوي فالأحداث خلال مرحلة الطفولة المبكرة تلعب دوراً هاماً في تشكيل شخصية الفرد وهو ما يؤثر على طبيعة الشخصية خلال المراهقة ، فالطفل السوي نفسياً تكون فرصة عبوره للمراهقة مكللة بالنجاح أكثر من غيره وبشكل عام فيمكن القول بأن مرحلة الطفولة المبكرة هي الأساس والقواعد التي يتم بناء الشخصية السليمة عليها فكلما كانت أقرب للسواء كانت الشخصية في المستقبل أقرب إلى السواء والعكس بالعكس".

ووجهة نظر أريكسون في أن فشل الطفل في اكتساب مظهر مبكر من مظاهر النمو قد يسبب له مشاكل في مراحل نموه اللاحقة "، ويعتبر هافجيرست أول من اهتم بدراسة هذا المفهوم حول مطالب النمو. وفيما يلي بعض مطالب النمو في مرحلة الطفولة المبكرة كما ذكرها هافجيرست:
- تعلم عادات النظافة.
- تعلم الكلام.
- تعلم استعمال العضلات الصغيرة.
- تعلم التفريق بين الجنسين.
- تعلم مهارات القراءات والكتابة والحساب.
- تعلم استكشاف البيئة المحيطة به.
- تعلم التمييز بين الصواب والخطأ.
- تعلم التفاعل مع الآخرين.
- الإحساس بالثقة بالذات وبالآخرين.
- تعلم تحمل المسؤولية.
- تكوين مفهوم الذات الإيجابي.
- تعلم العادات الاجتماعية السليمة.
- تعلم القواعد والقوانين للعلب الجماعي.
- تعلم ممارسة الاستقلال الشخصي.

ويقول أستاذ علم نفس المراحل العمرية، عمر عبد الرحمن: "طفل هذه المرحلة طفل المنزل، فالطفل يظل ملازم للمنزل 5 سنوات ، وفي أواخر الطفولة المبكرة ينتقل الطفل إلى الروضة، ولذلك فالأسرة هي الحضن الأول للطفل وهي المؤسسة الغير رسمية الأولى التي تتولى رعاية وحضانة الطفل، ولذلك فالطفل انعكاس لأسرته ولقيم هذه الأسرة وتبرز أهمية الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية وذلك لأن الاعتقادات والعادات التي يكتسبها الفرد في طفولته تكون نتيجة تقليد وتلقين الوالدين للطفل وهذه الاعتقادات والعادات والقيم ركيزة لتصرفاته المستقبلية".

ويضيف: "لقد وجدت الدراسات أن النمو الخلقي واتجاهات الفرد واعتقاداته تتأثر بشكل كبير بأسلوب التنشئة كما يتأثر الطفل كثيراً بالعلاقة بالوالدين فالبيئة التسلطية تعيق نمو الأطفال النمو السليم، والوالدين يعملون وبشكل إيجابي نحو سير نمو الطفل وفق السواء ، فهم الذين يكسبان الطفل الثقة في ذاته وقدراته، ويشعرانه بقدرته على الاستقلال والاعتماد على الذات مما يؤهل الطفل إلى المبادرة والقيام بأعمال مختلفة دون الشعور بالخوف والإحساس بالذنب".

البدايات
حين ظهرت فكرة التعليم المبكر للأطفال، لم تلق آذاناً صاغية، إذ اعتبرت النظرية القائلة بأن الفرصة المناسبة لتعليم الطفل وتوجيه اهتماماته وطاقته تبدأ منذ ولادته و تنتهي (أو تقل) بسن السادسة أو السابعة، مما يعني ذلك أننا إن لم نعلم الطفل الاهتمام بشيء ما قبل سن سبع سنوات، فلا تتوقع أن يبدي الطفل أي اهتمام نحو ذلك الشيء لاحقاً، إلا إذا أجبرته على ذلك، و هذا ما قد يسبب الضرر العقلي والعاطفي له، حسب المدرسة الثانية.

وبحسب موقع "بيزنس إنسايدر"، كان أول من تحدث بهذه النظرية هو "باستور ويت"، عام 1800 بعد نقاش خاضه مع مجموعة من الأساتذة في قريته في ألمانيا، كانت فكرته تتعارض مع جميع طرق التربية السائدة في ذلك الوقت، وكونه لم يكن عالماً أو باحثاً فلم يلق له أحد آذان صاغية، لذا بدا إن طريقته الوحيدة لإثبات وجهة نظره كانت التجربة.

مفاجآت
بعد أن رزق بطفله كارل وايت Karl Witte، قرر ويت أن يبدأ بتطوير نظام تعليمي منزلي مكثف يعتمد على إثارة الفضول والاهتمام لطفله منذ سنته الأولى، كانت غايته في ذلك أن يثبت لأصدقائه أن التعليم المبكر يمكن أن يزيد من قدرات الطفل ويساعد الطفل على تحقيق نتائج أسرع وأفضل عندما يبدأ تعليمه المدرسي النظامي.

مع الأيام تبين أن باستور قد ذهب بعيداً في البرنامج، ففي سن الخامسة كان كارل يقرأ و يكتب لغته الأم بدون أخطاء، وفي التاسعة كان يتحدث الفرنسية، الإيطالية، اللاتينية، اليونانية. في سن الثالثة عشر حصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة Giessen في ألمانيا.

كنتيجة لذلك، دخل كارل موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأصغر حاصل على شهادة دكتوراه، مازال هذا الرقم باسمه منذ أكثر من مئة عام.

وبعد هذه النتيجة المذهلة طُلب من الأب أن يكتب كتاباً يروي فيه قصة تربتيه و تعليمه لابنه، وبالفعل تم كتابة الكتاب، و بسبب الظروف التي مرت بها ألمانيا لاحقاً فقد ظل الكتاب حبيساً في ألمانيا إلى أن قامت مؤسسة متخصصة بترجمة المخطوطات القديمة بترجمة النسخة الوحيدة المتبقية منه في جامعة هارفرد إلى اللغة الانكليزية، الكتاب اسمه The Education of Karl Witte.

وأكد ويت أن ابنه لم يكن يملك مواصفات خاصة أو خارقة، وبعد هذا أراد أربعة علماء أمريكيين اختبار ادعاءات ويت، وأخذوا على عاتقهم تجريبها على أطفاله، وكانت النتائج كما يلي.

1 - العالم الأول هو Leo Wiener الأستاذ في جامعة هارفرد، استطاع ابنه قيد الدراسة دخول الجامعة في سن العاشرة، و تخرج في الرابعة عشرة، و حصل على شهادة الدكتوراه في الثامنة عشرة.

2 - العالم الثاني هو Boris Sides عام النفس المشهور في الولايات المتحدة، حصل ابنه على قبول في المدرسة الثانوية في الثامنة، وبعدها أصبح طالباً في جامعة هارفرد، قسم الرياضيات.

3 - العالم الثالث AA Berle عالم أديان في جامعة بوسطن، حصلت ابنته على قبول جامعي في سن الخامسة عشرة، و شقيقها حصل على قبول في هارفرد في الثالثة عشر بعد أن اجتاز امتحانات القبول بدون أي خطأ.

4 - الشخص الرابع السيدة B Stoner ، مربية منزل، عملت تحت إشراف العلماء الثلاث، عندما أصبحت ابنتها في السادسة كانت تكتب في عمود الشعر الخاص بإحدى الصحف المحلية في ولاية إندايانا الأمريكية، في السابعة نشرت روايتها الخاصة، في الحادية عشرة كانت تتقن الكتابة بعد لغات غير الانكليزية.

وأثبتت لاحقاً دراسات وتجارب عديدة، أن التعليم المبكر للطفل يظهر بلا ما يدع مجالاً للشك، إمكانية كبيرة لتحويله إلى مفكر أو مبدع نابغة.