الأربعاء 28 أغسطس 2013 / 20:13

وطني الأكبر، أين أنت؟

رسالة عاطفية إلى جسد ميت أو يكاد

استيقظت اليوم وأنا أشعر بأني وحدي، وكل شخص عدو محتمل. مذياع السيارة كان يردد أغنية وطني حبيبي الوطن الأكبر. وجدتني أشعر بالفقدان المهول للإحساس بالأمان النابع من القوة.

أين ذهبت " فكرة" الوطن العربي؟. أم أقول، أين ذهبت "عاطفة" الوطن العربي؟. لكن لا يهم، سواء كانت فكره منطقية أو عاطفة قلبية، أين ذهبت؟ هل أكلها الذئب الذي أكل جدة ليلى؟ أم أكلها الفأر الذي يأكل أسنان الأطفال؟ كما نبرر كل الاختفاءات الغير منطقية. أم يا ترى كان اختفاؤك منطقياً ونتيجة حتمية؟

سأخبرك شيئاً، أينما كنت. أنا أفتقدك.

صحيح أننا لم نلتق يوماً على أرض الواقع، لكنك كنت دوماً في خيالي. أعرف بعد هذا السطر كثيرون لن يكملوا القراءة وسيقولون: "ها نحن نعود للهراء." هل كنت هراء؟. ربما. فكل شيء نسبي، إذا أردناه كذلك.

لكن دعني أخبرك شيئاً، رغم ذلك، أنا أحبك.

هل تعرف لماذا أحبك؟. لأنك مهترئ. متآكل، ورغم ذلك تحاول أن تسير بكل جراحك. ودوماً تعاطفت مع الأبطال الجرحى. أنا لا أتخلى عن أبطالي حين ينكسرون. لكن..مهلاً، هل كنت يوماً بطلاً أساساً؟. ربما كان هذا السؤال هو السهم الأول الذي غرسناه في خاصرتك. من يومها وأنت تنزف هزائمك.

أنا أعيش في دولة صغيرة، اسمها الإمارات، ربما لا تعرفها تماماً، فحين وُلِدَت هي كنت أنت قد مت إكلينيكياً. أو أوشكت. تاريخ موتك غير محدد على وجه الدقة. البعض يرجعه لعشرات السنين، والبعض لمئات السنين، والبعض لآلاف السنين، والبعض يعتقد أنك لم تكن حياً أساساً، إلا في المخيلة الشعبية. وأنك لم تكن أبداً جسداً واحداً فعلاً، كل ما حصل أنك كنت فقط أجزاء متفرقة تنبض بحيوية معينة يربطها حبل بالقوة. والأجزاء الملتصقة بالقوة لا تشكل جسداً صحياً يقوى على مقاومة الجراثيم. وأنت تعرضت لجراثيم كثيرة، يقولون سببها عمليات الاغتصاب التي عبرت على جسدك مراراً وتكراراً.

الاغتصاب جريمة مريرة. أنت لم تصمت، قاومت على فترات. لكن ما حصل كان كثيراً. أنا أعرف. لا ألومك. ماذا كان بوسعك أن تفعل على أية حال؟ كنت مقيداً، ماذا يمكن لضحية مقيدة أن تفعل؟.

أخبرني، هل مُت حقاً، أم لا زال فيك عرق ينبض؟

هل ستعود؟ هل أنتظرك؟ أم أفعل كما فعل البعض الذي اتجه مرة غرباً، ومرة يساراً، ومرة إلى جبال بعيدة بحثاً عن سماء لا تتسع لها الأرض.

هل أغسل يدي منك؟ أخبرني. أريد أن أعرف. أنا أخبرتك كل ما أعرف. ربما تحبطك معرفتي الضحلة بك. لكنها عموماً افضل من التحديق الصامت في الفراغ. اعطني إشارة. ارمش بعينك، ارفع إصبعك، حرك يدك، قدمك، ربما.. ربما تستطيع أن تقف قليلاً، وترفع أيضا رأسك يوماً. ربما. من يدري؟، حاول.. فأنا أنتظر.