طالبتان تشاركان في مهرجان "مواهب وإبداعات" في الإمارات، عام 2016(أرشيف)
طالبتان تشاركان في مهرجان "مواهب وإبداعات" في الإمارات، عام 2016(أرشيف)
الثلاثاء 11 أبريل 2017 / 20:11

"اكتشاف المواهب" و"الطفولة المبكرة" برنامجان يتكاملان لبناء جيل المستقبل

أطلق سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي برنامج تنمية المواهب، الذي تنظمه هيئة السياحة والثقافة بالتعاون مع مجلس أبوظبي للتعليم، وكان قد أطلق قبل ذلك بأيام المرحلة الأولى من برنامج تنمية الطفولة المبكرة تحت مظلة مؤسسة التنمية الأسرية. وهما برنامجان يفترقان في المرحلة العمرية، فيتوجه الأول إلى الناشئة والفتيان، في حين يتوجه الثاني صوب الطفولة، لكنّ البرنامجين يلتقيان في الجوهر، أي في تعليم الطفولة في مرحلة ما قبل رياض الأطفال، الذي يقوم على الموهبة في الأساس، أعني صناعة الموهبة وتنميتها لدى الطفل، وهي غاية ينبغي ألا تنسى، وأنْ تظلّ ملء العين والقلب.

ويبدو جلياً أن هذين البرنامجين يأتيان في سياق حراك محموم تشهده الفترة الأخيرة، ويقوده على وجه الخصوص صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لإيلاء الأطفال والناشئة الاهتمام اللازم، في حين تنطلق في دولة الإمارات بادرات وبرامج أخرى مخصصة للشباب، وهذا كله يعكس وعياً متجدداً بالدور الحيوي الذي تلعبه مثل هذه البرامج والبادرات في مواجهة التحديات والتعقيدات الكثيرة في وقتنا الحالي.

 فإذ نشهد مثل هذين البرنامجين،لابدّ من أن نتوقف ملياً عند أحوال الطفولة والناشئة في هذا العالم المضطرب والمليء بالتصدعات، حيث صارت الفنون تحتل دوراً هامشياً في المجتمعات العربية، إما بحجة عدم جدواها في ظل هرولة نحو التنمية لا تعترف إلا بكل ما هو علمي تقني، وإما لانتشار مفاهيم متشددة قاصرة تهمّش دور الفنون ووظيفتها في التنمية، فالموسيقى عندهم ترف ينبغي الاستغناء عنه، والرسم تجسيد قد يقع في دائرة الحرام وربما يقع في دائرة البين بين في أحسن الأحوال أما الفن المسرحي، فهو فن دخيل على الثقافة العربية، ينبغي رفضه حفاظاً على أصالة متوهمة.

وقد ظّلت الموهبة تقع بين كرسيين، كما يقول الفرنسيون، فأصحاب التقدم العلمي والتطور القني ينظرون إلى الموهوبين في الرسم والموسيقى والتمثيل بشيء من الاستخفاف أو الإشفاق، أما المتشددون الذين يضيقون واسعاً فيرون أن ما يقوم به أولئك الموهوبون لون من سوء استثمار الموهبة، لهذا تراهم لا يعترفون بالعبقرية والإبداع ويعدون ذلك كله نوعاً من أنواع الترف السخيف الذي يضيع الدنيا والآخرة معاً. لذا بقيت الموهبة معطّلة في المجتمعات العربية، تكاد تغيب عن دائرة الاهتمام في قطاع التعليم والثقافة غياباً كلياً، رغم أن الإعلام العربي أطلق البادرات تلو الأخرى ليؤكد دور الموهبة لدى الأطفال والناشئة.

إنّ ثمة لوناً من عدم الوضوح عندنا بخصوص الفروقات بين الموهوب والمتفوق والمتميز. ولعل من الضروري الإشارة إلى أنّ الموهبة تشكل قاعدة الانطلاق للتفوق والتميز. فالموهبة كما يراها الدارسون تتجلى في القدرة الاستثنائية التي تجعل الطفل يُظهِر أداءه المميُّز عند القيام بنشاطٍ ما، وتجعله متفرداً وممتلكاً لخصائص وسمات قد لا يمتلكها الآخَرون. فالطالب الموهوب حريص على تنمية ذاته عن طريق طلب المعرفة، وعلى أن يضع ذلك كله من أجل النهوض بالوطن وتطويره. فالطفل الموهوب هو من يملك استعداداً فطريّاً، تصقله البيئة الملائمة؛ لذا تظهرُ الموهبة في الغالب في مجال محدَّد؛ مثل: الموسيقى أو الشعر أو الرسم. والبيئة الملائمة في هذا السياق لا تخضع للروتين ولا تقبله، لأن الطفل الموهوب يمتلك قدرة عقلية وفنية عالية علينا أن نعطيها الفرصة المناسبة كي تتطور.

إنّ الموهوبين هم الثروة الحقيقية في أي مجتمع، في مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل، وعلينا أن نصنع البيئات الحاضنة للإبداع التي توسّع مدارك الطفل وتنمي آفاقه وتسمح له بالتعبير عن موهبته، فالقواعد البيانية هي التي تسمح بعملية بناء راسخة ثابتة، وتتيح عملية تراكمية تضمن التعلم المستمر من التجربة والارتقاء بها، كما توفر الإطار المؤسسي الضروري لاستمرارية هذا النوع من البادرات الحيوية.

لقد استُبعدت الثقافة والفنون قسراً من الواقع التعليمي والتربوي العربي، وأدى هذا – بين أسباب أخرى  - إلى ما أدى إليه من تراجع معرفي وتدهور قيمي، واستشراء للتشدّد والتطرف، أما دولة الإمارات الماضية دوماً نحو الحياة، والمدركة لمسؤوليتها التاريخية في تجديد الحضارة واستعادة المبادرة، فإنها تسعى إلى خلق الأسس المتينة التي يمكن تأسيس أجيال المستقبل عليها، تلك الأجيال التي أولاها الشيخ محمد بن زايد جلّ اهتمامه حين أطلق "مجلس محمد بن زايد لأجيال المستقبل"، وهو ما يعكس ذلك التكامل الضروري في البرامج والبادرات ويؤسس لرؤية مستقبلية مختلفة، تضع الأطفال والناشئة على رأس قائمة الاهتمام، لأن ما نزرعه من بذور التنوير اليوم نحصده غداً جيلاً واثقاً من نفسه، منحازاً إلى البناء والتنمية والخير، متفانياً في خدمة وطنه، ممتلكاً الأدوات الكافية والمتطورة التي تجعله يؤدي دوره هذا على أكمل وجه.